(وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)(٧)
(وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) نادوا به النبي صلىاللهعليهوسلم على التهكم ، ألا ترى إلى ما نادوه له وهو قولهم. (إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) ونظير ذلك قول فرعون : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) ، والمعنى إنك لتقول قول المجانين حين تدعي أن الله تعالى نزل عليك الذكر ، أي القرآن.
(لَوْ ما تَأْتِينا) ركب (لَوْ) مع (ما) كما ركبت مع لا لمعنيين امتناع الشيء لوجود غيره والتحضيض. (بِالْمَلائِكَةِ) ليصدقوك ويعضدوك على الدعوة كقوله تعالى : (لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً). أو للعقاب على تكذيبنا لك كما أتت الأمم المكذبة قبل. (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) في دعواك.
(ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ (٨) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(٩)
ما ينزّل الملائكة بالياء ونصب (الْمَلائِكَةَ) على أن الضمير لله تعالى. وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالنون وأبو بكر بالتاء والبناء للمفعول ورفع الملائكة. وقرئ «تنزل» بمعنى تتنزل. (إِلَّا بِالْحَقِ) إلا تنزيلا ملتبسا بالحق أي بالوجه الذي قدره واقتضته حكمته ، ولا حكمة في أن تأتيكم بصور تشاهدونها فإنه لا يزيدكم إلا لبسا ، ولا في معاجلتكم بالعقوبة فإن منكم ومن ذراريكم من سبقت كلمتنا له بالإيمان. وقيل الحق الوحي أو العذاب. (وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ إِذاً) جواب لهم وجزاء لشرط مقدر أي ولو نزلنا الملائكة ما كانوا منظرين.
(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) رد لإنكارهم واستهزائهم ولذلك أكده من وجوه وقرره بقوله : (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) أي من التحريف والزيادة والنقص بأن جعلناه معجزا مباينا لكلام البشر ، بحيث لا يخفى تغيير نظمه على أهل اللسان ، أو نفي تطرق الخلل إليه في الدوام بضمان الحفظ له كما نفى أن يطعن فيه بأنه المنزل له. وقيل الضمير في (لَهُ) للنبي صلىاللهعليهوسلم.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (١١)
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ) في فرقهم ، جمع شيعة وهي الفرقة المتفقة على طريق ومذهب من شاعه إذا تبعه ، وأصله الشياع وهو الحطب الصغار توقد به الكبار ، والمعنى نبأنا رجالا فيهم وجعلناهم رسلا فيما بينهم.
(وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) كما يفعل هؤلاء ، وهو تسلية للنبي عليه الصلاة والسلام و (ما) للحال لا يدخل إلا مضارعا بمعنى الحال ، أو ماضيا قريبا منه وهذا على حكاية الحال الماضية.
(كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ)(١٣)
(كَذلِكَ نَسْلُكُهُ) ندخله. (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) والسلك إدخال الشيء في الشيء كالخيط في المخيط ، والرمح في المطعون والضمير للاستهزاء. وفيه دليل على أن الله يوجد الباطل في قلوبهم. وقيل ل (الذِّكْرَ) فإن الضمير الآخر في قوله :
(لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) له وهو حال من هذا الضمير ، والمعنى مثل ذلك السلك نسلك الذكر في قلوب المجرمين مكذبا غير مؤمن به ، أو بيان للجملة المتضمنة له ، وهذا الاحتجاج ضعيف إذ لا يلزم من تعاقب