ألسنتهم استقل ذلك بنوع من الإعجاز ، لكن أدى إلى اختلاف الكلمة وإضاعة فضل الاجتهاد في تعلم الألفاظ ومعانيها ، والعلوم المتشعبة منها وما في اتعاب القرائح وكد النفوس من القرب المقتضية لجزيل الثواب. وقرئ «بلسن» وهو لغة فيه كريش ورياش ، ولسن بضمتين وضمة وسكون على الجمع كعمد وعمد. وقيل الضمير في قومه لمحمد صلىاللهعليهوسلم وأن الله تعالى أنزل الكتب كلها بالعربية ، ثم ترجمها جبريل عليهالسلام أو كل نبي بلغة المنزل عليهم وذلك ليس بصحيح يرده قوله : (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) فإنه ضمير القوم ، والتوراة والإنجيل ونحوهما لم تنزل لتبين للعرب. (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) فيخذله عن الإيمان. (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) بالتوفيق له. (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فلا يغلب على مشيئته. (الْحَكِيمُ) الذي لا يضل ولا يهدي إلا لحكمة.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)(٥)
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا) يعني اليد والعصا وسائر معجزاته. (أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) بمعنى أي أخرج لأن في الإرسال معنى القول ، أو بأن أخرج فإن صيغ الأفعال سواء في الدلالة على المصدر فيصح أن توصل بها أن الناصبة. (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) بوقائعه التي وقعت على الأمم الدارجة وأيام العرب حروبها. وقيل بنعمائه وبلائه. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) يصبر على بلائه ويشكر على نعمائه ، فإنه إذا سمع بما أنزل على من قبل من البلاء وأفيض عليهم من النعماء اعتبر وتنبه لما يجب عليه من الصبر والشكر. وقيل المراد لكل مؤمن وإنما عبر عنه بذلك تنبيها على أن الصبر والشكر عنوان المؤمن.
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)(٦)
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) أي اذكروا نعمته عليكم وقت إنجائه إياكم ، ويجوز أن ينتصب ب (عَلَيْكُمْ) إن جعلت مستقرة غير صلة للنعمة ، وذلك إذا أريدت بها العطية دون الأنعام ، ويجوز أن يكون بدلا من (نِعْمَةَ اللهِ) بدل الاشتمال. (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) أحوال من آل فرعون ، أو من ضمير المخاطبين والمراد بالعذاب ها هنا غير المراد به في سورة «البقرة» و «الأعراف» لأنه مفسر بالتذبيح والقتل ثمة ومعطوف عليه التذبيح ها هنا ، وهو إما جنس العذاب أو استعبادهم أو استعمالهم بالأعمال الشاقة. (وَفِي ذلِكُمْ) من حيث إنه بإقدار الله إياهم وإمهالهم فيه. (بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) ابتلاء منه ، ويجوز أن تكون الإشارة إلى الإنجاء والمراد بالبلاء النعمة.
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ)(٨)
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ) أيضا من كلام موسى صلىاللهعليهوسلم ، و (تَأَذَّنَ) بمعنى آذن كتوعد وأوعد غير أنه أبلغ لما في التفعل من معنى التكلف والمبالغة. (لَئِنْ شَكَرْتُمْ) يا بني إسرائيل ما أنعمت عليكم من الإنجاء وغيره بالإيمان والعمل الصالح. (لَأَزِيدَنَّكُمْ) نعمة إلى نعمة. (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ) ما أنعمت عليكم. (إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) فلعلي أعذبكم على الكفران عذابا شديدا ومن عادة أكرم الأكرمين أن يصرح بالوعد ويعرض بالوعيد ، والجملة مقول قول مقدر أو مفعول (تَأَذَّنَ) على أنه جار مجرى قال لأنه ضرب منه.
(وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) من الثقلين. (فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌ) عن شكركم. (حَمِيدٌ) مستحق للحمد في ذاته ، محمود تحمده الملائكة وتنطق بنعمته ذرات المخلوقات ، فما ضررتم