الجاهل بحقيقة العبادة والموجب لها والموحد العالم بذلك. وقيل المعبود الغافل عنكم والمعبود المطلع على أحوالكم. (أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) الشرك والتوحيد. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بالياء. (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) بل أجعلوا والهمزة للإنكار وقوله : (خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) صفة لشركاء داخلة في حكم الإنكار. (فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) خلق الله وخلقهم ، والمعنى أنهم ما اتخذوا لله شركاء خالقين مثله حتى يتشابه عليهم الخلق فيقولوا هؤلاء خلقوا كما خلق الله فاستحقوا العبادة كما استحقها ، ولكنهم اتخذوا شركاء عاجزين لا يقدرون على ما يقدر عليه الخلق فضلا عما يقدر عليه الخالق. (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) أي لا خالق غيره فيشاركه في العبادة ، جعل الخلق موجب العبادة ولازم استحقاقها ثم نفاه عمن سواه ليدل على قوله : (وَهُوَ الْواحِدُ) المتوحد بالألوهية. (الْقَهَّارُ) الغالب على كل شيء.
(أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ)(١٧)
(أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) من السحاب أو من جانب السماء أو من السماء نفسها فإن المبادئ منها. (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ) أنهار جمع واد وهو الموضع الذي يسيل الماء فيه بكثرة فاتسع فيه ، واستعمل للماء الجاري فيه وتنكيرها لأن المطر يأتي على تناوب بين البقاع. (بِقَدَرِها) بمقدارها الذي علم الله تعالى أنه نافع غير ضار أو بمقدارها في الصغر والكبر. (فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً) رفعه والزبد وضر الغليان. (رابِياً) عاليا. وممّا توقدون عليه في النّار يعم الفلزات كالذهب والفضة والحديد والنحاس على وجه التهاون بها إظهارا لكبريائه. (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) أي طلب حلي. (أَوْ مَتاعٍ) كالأواني وآلات الحرب والحرث ، والمقصود من ذلك بيان منافعها. (زَبَدٌ مِثْلُهُ) أي ومما يوقدون عليه زبد مثل زبد الماء وهو خبثه ، و (مِنَ) للابتداء أو للتبعيض وقرأ حمزة والكسائي وحفص بالياء على أن الضمير للناس وإضماره للعلم به. (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ) مثل الحق والباطل فإنه مثل الحق في إفادته وثباته بالماء الذي ينزل من السماء فتسيل به الأودية على قدر الحاجة والمصلحة فينتفع به أنواع المنافع ، ويمكث في الأرض بأن يثبت بعضه في منافعه ويسلك بعضه في عروق الأرض إلى العيون والقنى والآبار ، وبالفلز الذي ينتفع به في صوغ الحلي واتخاذ الأمتعة المختلفة ويدوم ذلك مدة متطاولة ، والباطل في قلة نفعه وسرعة زواله بزبدهما وبين ذلك بقوله : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً) يجفأ به أي يرمي به السبيل والفلز المذاب وانتصابه على الحال وقرئ جفالا والمعنى واحد. (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ) كالماء وخلاصة الفلز. (فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) ينتفع به أهلها. (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) لا لايضاح المشتبهات.
(لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ)(١٨)
(لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا) للمؤمنين الذين استجابوا. (لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى) الاستجابة الحسنى. (وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ) وهم الكفرة واللام متعلقة بيضرب على أنه جعل ضرب المثل لشأن الفريقين ضرب المثل لهما. وقيل للذين استجابوا خبر الحسنى وهي المثوبة أو الجنة والذين لم يستجيبوا مبتدأ خبره. (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) وهو على الأول كلام مبتدأ لبيان مال غير المستجيبين. (أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ) وهو المناقشة فيه بأن يحاسب الرجل بذنبه لا يغفر منه شيء. (وَمَأْواهُمْ) مرجعهم. (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ