اللهِ وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ)(٨٠)
(فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ) يئسوا من يوسف وإجابته إياهم ، وزيادة السين والتاء للمبالغة. (خَلَصُوا) انفردوا واعتزلوا. (نَجِيًّا) متناجين ، وإنما وحده لأنه مصدر أو بزنته كما قيل هو صديق ، وجمعه أنجية كندي وأندية. (قالَ كَبِيرُهُمْ) في السن وهو روبيل ، أو في الرأي وهو شمعون وقيل يهوذا. (أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ) عهدا وثيقا ، وإنما جعل حلفهم بالله موثقا منه لأنه بإذن منه وتأكيد من جهته.
(وَمِنْ قَبْلُ) ومن قبل هذا. (ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ) قصرتم في شأنه ، و (ما) مزيدة ويجوز أن تكون مصدرية في موضع النصب بالعطف على مفعول تعلموا ، ولا بأس بالفصل بين العاطف والمعطوف بالظرف ، أو على اسم (أَنَ) وخبره في (يُوسُفَ) أو (مِنْ قَبْلُ) أو الرفع بالابتداء والخبر (مِنْ قَبْلُ) وفيه نظر ، لأن (قَبْلُ) إذا كان خبرا أو صلة لا يقطع عن الإضافة حتى لا ينقص وأن تكون موصولة أي : ما فرطتموه بمعنى ما قدمتموه في حقه من الجناية ومحله ما تقدم. (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) فلن أفارق أرض مصر. (حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي) في الرجوع. (أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي) أو يقضي لي بالخروج منها ، أو بخلاص أخي منهم أو بالمقاتلة معهم لتخليصه. روي : أنهم كلموا العزيز في إطلاقه فقال روبيل : أيها الملك والله لتتركنّا أو لأصيحن صيحة تضع منها الحوامل ، ووقفت شعور جسده فخرجت من ثيابه فقال يوسف عليهالسلام لابنه : قم إلى جنبه فمسه ، وكان بنو يعقوب عليهالسلام إذا غضب أحدهم فمسه الآخر ذهب غضبه. فقال روبيل من هذا إن في هذا البلد لبزرا من بزر يعقوب. (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) لأن حكمه لا يكون إلا بالحق.
(ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلاَّ بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (٨١) وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ)(٨٢)
(ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ) على ما شاهدناه من ظاهر الأمر. وقرئ «سرق» أي نسب إلى السرقة. (وَما شَهِدْنا) عليه. (إِلَّا بِما عَلِمْنا) بأن رأينا أن الصواع استخرج من وعائه. (وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ) لباطن الحال. (حافِظِينَ) فلا ندري أنه سرق أو سرق ودس الصواع في رحله ، أو وما كنا للعواقب عالمين فلم ندر حين أعطيناك الموثق أنه سيسرق ، أو أنك تصاب به كما أصبت بيوسف.
(وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها) يعنون مصر أو قرية بقربها لحقهم المنادي فيها ، والمعنى أرسل إلى أهلها واسألهم عن القصة. (وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) وأصحاب العير التي توجهنا فيهم وكنا معهم. (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) تأكيد في محل القسم.
(قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٨٣) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ)(٨٤)
(قالَ بَلْ سَوَّلَتْ) أي فلما رجعوا إلى أبيهم وقالوا له ما قال لهم أخوهم قال : (بَلْ سَوَّلَتْ) أي سولت وسهلت. (لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) أردتموه فقدرتموه ، وإلا فما أدرى الملك أن السارق يؤخذ بسرقته. (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) أي فأمري صبر جميل ، أو فصبر جميل أجمل. (عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) بيوسف وبنيامين وأخيهما الذي توقف بمصر. (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) بحالي وحالهم. (الْحَكِيمُ) في تدبيرهما.
(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ) وأعرض عنهم كراهة لما صادف منهم. (وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) أي يا أسفا تعال فهذا أوانك ، والأسف أشد الحزن والحسرة ، والألف بدل من ياء المتكلم ، وإنما تأسف على يوسف دون