(قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ (١١) أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(١٢)
(قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ) لم تخافنا عليه. (وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ) ونحن نشفق عليه ونريد له الخير ، أرادوا به استنزاله عن رأيه في حفظه منهم لما تنسم من حسدهم ، والمشهور (تَأْمَنَّا) بالإدغام بإشمام. وعن نافع بترك الإشمام ومن الشواذ ترك الإدغام لأنهما من كلمتين و «تيمنا» بكسر التاء.
(أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً) إلى الصحراء. نرتع نتسع في أكل الفواكه ونحوها من الرتعة وهي الخصب. ونلعب بالاستباق والانتضال. وقرأ ابن كثير نرتع بكسر العين على أنه من ارتعى يرتعي ونافع بالكسر والياء فيه وفي (يَلْعَبْ). وقرأ الكوفيون ويعقوب بالياء والسكون على إسناد الفعل إلى يوسف. وقرئ (يَرْتَعْ) من أرتع ماشيته و «يرتع» بكسر العين و (يَلْعَبْ) بالرفع على الابتداء. (وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) من أن يناله مكروه.
(قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (١٣) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ)(١٤)
(قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ) لشدة مفارقته علي وقلة صبري عنه. (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) لأن الأرض كانت مذأبة. وقيل رأى في المنام أن الذئب قد شد على يوسف وكان يحذره عليه ، وقد همزها على الأصل ابن كثير ونافع في رواية قالون ، وفي رواية اليزيدي وأبو عمرو وقفا وعاصم وابن عامر وحمزة درجا واشتقاقه من تذاءبت الريح إذا هبت من كل جهة. (وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ) لاشتغالكم بالرتع واللعب أو لقلة اهتمامكم بحفظه.
(قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) اللام موطئة للقسم وجوابه : (إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) ضعفاء مغبونون ، أو مستحقون لأن يدعى عليهم بالخسار والواو في (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) للحال.
(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(١٥)
(فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) وعزموا على إلقائه فيها ، والبئر بئر بيت المقدس أو بئر بأرض الأردن أو بين مصر ومدين ، أو على ثلاثة فراسخ من مقام يعقوب وجواب لما محذوف مثل فعلوا به ما فعلوا من الأذى. فقد روي (أنهم لما برزوا به إلى الصحراء أخذوا يؤذونه ويضربونه حتى كادوا يقتلونه ، فجعل يصيح ويستغيث فقال يهوذا : أما عاهدتموني أن لا تقتلوه فأتوا به إلى البئر ، فدلوه فيها فتعلق بشفيرها فربطوا يديه ونزعوا قميصه ليلطخوه بالدم ويحتالوا به على أبيهم ، فقال : يا إخوتاه ردوا علي قميصي أتوارى به فقالوا : ادع الأحد عشر كوكبا والشمس والقمر يلبسوك ويؤنسوك ، فلما بلغ نصفها ألقوه وكان فيها ماء فسقط فيه ، ثم آوى إلى صخرة كانت فيها فقام عليها يبكي فجاءه جبريل بالوحي) كما قال : (وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) وكان ابن سبع عشرة سنة. وقيل كان مراهقا أوحي إليه في صغره كما أوحي إلى يحيى وعيسى عليهم الصلاة والسلام. وفي القصص : أن إبراهيم عليهالسلام حين ألقي في النار جرد عن ثيابه فأتاه جبريل عليهالسلام بقميص من حرير الجنة فألبسه إياه ، فدفعه إبراهيم إلى إسحاق وإسحاق إلى يعقوب فجعله في تميمة علقها بيوسف فأخرجه جبريل عليهالسلام وألبسه إياه (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا) لتحدثنهم بما فعلوا بك (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أنك يوسف لعلو شأنك وبعده عن أوهامهم وطول العهد المغير للحلى والهيئات ، وذلك إشارة إلى ما قال لهم بمصر حين دخلوا عليه ممتارين (فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ). بشره بما يؤول إليه أمره إيناسا له