أو من السجل أي مما كتب الله أن يعذبهم به وقيل أصله من سجين أي من جهنم فأبدلت نونه لاما. (مَنْضُودٍ) نضد معدا لعذابهم ، أو نضد في الإرسال بتتابع بعضه بعضا كقطار الأمطار ، أو نضد بعضه على بعض وألصق به.
(مُسَوَّمَةً) معلمة للعذاب. وقيل معلمة ببياض وحمرة. أو بسيما تتميز به عن حجارة الأرض ، أو باسم من يرمى بها. (عِنْدَ رَبِّكَ) في خزائنه. (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) فإنهم بظلمهم حقيق بأن تمطر عليهم ، وفيه وعيد لكل ظالم. وعنه عليه الصلاة والسلام «أنه سأل جبريل عليهالسلام فقال : يعني ظالمي أمتك ما من ظالم منهم إلا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة». وقيل الضمير للقرى أي هي قريبة من ظالمي مكة يمرون بها في أسفارهم إلى الشام ، وتذكير البعيد على تأويل الحجر أو المكان.
(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ)(٨٤)
(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) أراد أولاد مدين بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، أو أهل مدين وهو بلد بناه فسمي باسمه. (قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) أمرهم بالتوحيد أولا فإنه ملاك الأمر ثم نهاهم عما اعتادوه من البخس المنافي للعدل المخل بحكمة التعاوض. (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) بسعة تغنيكم عن البخس ، أو بنعمة حقها أن تتفضلوا على الناس شكرا عليها لا أن تنقصوا حقوقهم ، أو بسعة فلا تزيلوها بما أنتم عليه وهو في الجملة علة للنهي. (وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) لا يشذ منه أحد منكم. وقيل عذاب مهلك من قوله : (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ). والمراد عذاب يوم القيامة أو عذاب الاستئصال ، ووصف اليوم بالإحاطة وهي صفة العذاب لاشتماله عليه.
(وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)(٨٥)
(وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) صرح بالأمر بالإيفاء بعد النهي عن ضده مبالغة وتنبيها على أنه لا يكفيهم الكف عن تعمدهم التطفيف ، بل يلزمهم السعي في الإيفاء ولو بزيادة لا يتأتى بدونها. (بِالْقِسْطِ) بالعدل والسوية من غير زيادة ولا نقصان ، فإن الازدياد إيفاء وهو مندوب غير مأمور به وقد يكون محظورا. (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) تعميم بعد تخصيص فإنه أعم من أن يكون في المقدار ، أو في غيره وكذا قوله : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) فإن العثو يعم تنقيص الحقوق وغيره من أنواع الفساد. وقيل المراد بالبخس المكس كأخذ العشور في المعاملات ، والعثو السرقة وقطع الطريق والغارة. وفائدة الحال إخراج ما يقصد به الإصلاح كما فعله الخضر عليهالسلام. وقيل معناه ولا تعثوا في الأرض مفسدين في أمر دينكم ومصالح آخرتكم.
(بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ)(٨٦)
(بَقِيَّتُ اللهِ) ما أبقاه لكم من الحلال بعد التنزه عما حرم عليكم. (خَيْرٌ لَكُمْ) مما تجمعون بالتطفيف. (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بشرط أن تؤمنوا فإن خيريتها باستتباع الثواب مع النجاة وذلك مشروط بالإيمان. أو إن كنتم مصدقين لي في قولي لكم. وقيل البقية الطاعة كقوله : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) وقرئ «تقية الله» بالتاء وهي تقواه التي تكف عن المعاصي.
(وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) أحفظكم عن القبائح ، أو أحفظ عليكم أعمالكم فأجازيكم عليها وإنما أنا