والأرض. (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) أم من يستطيع خلقهما وتسويتهما ، أو من يحفظهما من الآفات مع كثرتها وسرعة انفعالها من أدنى شيء. (وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ) ومن يحيي ويميت ، أو من ينشئ الحيوان من النطفة والنطفة منه. (وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) ومن يلي تدبير أمر العالم وهو تعميم بعد تخصيص. (فَسَيَقُولُونَ اللهُ) إذ لا يقدرون على المكابرة والعناد في ذلك لفرط وضوحه. (فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) أنفسكم عقابه بإشراككم إياه ما لا يشاركه في شيء من ذلك.
(فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ) أي المتولي لهذه الأمور المستحق للعبادة هو ربكم الثابت ربوبيته لأنه الذي أنشأكم وأحياكم ورزقكم ودبر أموركم. (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) استفهام إنكار أي ليس بعد الحق إلا الضلال فمن تخطى الحق الذي هو عبادة الله تعالى وقع في الضلال. (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) عن الحق إلى الضلال.
(كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)(٣٤)
(كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) أي كما حقت الربوبية لله أو أن الحق بعده الضلال ، أو أنهم مصروفون عن الحق كذلك حقت كلمة الله وحكمه. وقرأ نافع وابن عامر «كلمات» هنا وفي آخر السورة وفي «غافر» (عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا) تمردوا في كفرهم وخرجوا عن حد الاستصلاح. (أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) بدل من الكلمة ، أو تعليل لحقيتها والمراد بها العدة بالعذاب.
(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) جعل الإعادة كالابداء في الإلزام بها لظهور برهانها وإن لم يساعدوا عليها ، ولذلك أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم أن ينوب عنهم في الجواب فقال (قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) لأن لجاجهم لا يدعهم أن يعترفوا بها. (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) تصرفون عن قصد السبيل.
(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥) وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ)(٣٦)
(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِ) بنصب الحجج وإرسال الرسل عليهم الصلاة والسلام والتوفيق للنظر والتدبر ، وهدى كما يعدى بإلى لتضمنه معنى الانتهاء يعدى باللام للدلالة على أن المنتهى غاية الهداية وأنها لم تتوجه نحوه على سبيل الاتفاق ولذلك عدى بها ما أسند إلى الله تعالى. (قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) أم الذي لا يهتدي إلا أن يهدى من قولهم :
هدي بنفسه إذا اهتدى ، أو لا يهدي غيره إلا أن يهديه الله وهذا حال أشراف شركائهم كالملائكة والمسيح وعزير ، وقرأ ابن كثير وورش عن نافع وابن عامر يهدي بفتح الهاء وتشديد الدال. ويعقوب وحفص بالكسر والتشديد والأصل يهتدي فأدغم وفتحت الهاء بحركة التاء أو كسرت لالتقاء الساكنين. وروى أبو بكر يهدي باتباع الياء الهاء. وقرأ أبو عمرو بالإدغام المجرد ولم يبال بالتقاء الساكنين لأن المدغم في حكم المتحرك. وعن نافع برواية قالون مثله وقرئ «إلا أن يهدي» للمبالغة (فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) بما يقتضي صريح العقل بطلانه. (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ) فيما يعتقدونه. (إِلَّا ظَنًّا) مستندا إلى خيالات فارغة وأقيسة فاسدة كقياس الغائب على الشاهد والخالق على المخلوق بأدنى مشاركة موهومة ، والمراد بالأكثر الجميع أو من ينتمي منهم إلى تمييز ونظر ولا يرضى بالتقليد الصرف. (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِ) من العلم والاعتقاد