(فانطَلَقُوا وَهُم يَتَخافتُونَ* أَن لا يدَخُلَنَّهَا اليومَ عَلَيكُم مِسكِينٌ* وَغَدَوا عَلَى حَردٍ قَادِرِينَ)
أيقظ أحدهم الآخر بإيجاد ضوضاء ، لكنهم خرجوا ببطء ودون إيجاد أي صوت ودون أن يتكلَّموا ، وإذا أرادوا مبادلة الكلام همس أحدهم في إذن الآخر ، وما كان كلامهم إلَّا تحذير أحدهم الآخر من أن يطلّع واحد من الفقراء على الموضوع.
نعم ، كانوا قد قرروا أن يحولوا دون اطلاع الفقراء ، وأن يمنعوهم بقوّة دون الوصول إلى الجنة ، ومن المحتمل أنَّهم وظّفوا بعض الأقوياء ليمنعوا الفقراء عن دخول الجنة إذا ما اطَّلعوا رغم الإجراءات التي اتخذوها للحؤول دون اطلاعهم.
(فَلَمَّا رَأوهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُمُونَ)
بعد الاجراءات والاحتياطات التي قاموا بها وصلوا جنّتهم وفقاً لخطّتهم ، لكنَّهم عندئذٍ تعجّبوا حيث لم يعثروا على أثرٍ للطراوة والخضار ، ولا نسيم ، ولا صوتاً للطيور ولا للقنوات ، ولا فاكهة ولا شجرة ، فلم يبقَ من الجنة غير الفحم والرماد ، عندئذٍ اعترفوا بخطأهم وأقرّوا بصحة منهج والدهم واعتبروا أنفسهم ضالين.
(قَالَ أَوسَطُهُم أَلَمْ أَقُل لَكُم لَوْلَا تُسَبِّحُونَ)
يبدو أن واحداً من الاخوة كان أعقلهم ، وكان مخالفاً لهم منذ البداية وكان مصرّاً على العمل وفق نهج الوالد ، إلَّا أنَّ إخوته كانوا يشكّلون الأكثرية ، وهو الاقلية ، لذلك لم يكن لرأيه تأثير عليهم ، لكنه بعد ما شاهد ـ كاخوته ـ ما آلت إليه جنتهم قال لهم ما ورد في العبارة المتقدَّمة.
(قَالُوا سُبحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ* فَأَقبَلَ بَعْضُهُم عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ)
كانت ملامة أخيهم بمثابة السوط الذي جلد ضميرهم وأيقظه من سبات الغفلة ، عندئذٍ جرى تقديس الله وتسبيحه على ألسنتهم ، وبدءوا يعترفون بأنَّهم ظالمون.
إنَّهم ظلموا أنفسهم ، كما ظلموا الفقراء ، ثم أخذ أحدهم يلوم الآخر ، ويحمّل أحدهم الآخر مسؤولية هذا العمل ، وهو سيرة المذنبين دائماً.
نعم ، في الصباح الباكر كان أحدهم يوقظ الآخر بصوت عال ، وتحرّكوا باتجاه الجنَّة