(رَبِّ إنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْني مُحَرَّراً فتقَبَّلْ مِنّي إنَّك أنْتَ السَّميعُ العليمُ)
الطهارة حكمت بيئة مريم حتى بعد الولادة ، فقد تكفّلها بعد وفاة أبيها نبي عصرها زكريا عليهالسلام بعد حوادث لطيفة حصلت ، ممَّا زاد في قداستها وسمح لها دخول بيت المقدس والمسجد الأقصى لتقيم عباداتها هناك. وبلغ بها القرب إلى الله أن كان الله يبعث لها الغذاء ، كما جاء ذلك في الآية ٣٧ من سورة آل عمران :
(فَتَقَبَّلَهَا رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وأنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وكَفّلَها زَكَرِيّا كُلَّما دَخَل عَلَيْها المِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قَالَ يا مَرْيمُ أنَّى لَكِ هذا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إنَّ اللهَ يَرزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)
خلاصة الكلام أن بيئة مريم عكس بيئة آسية ، رغم ذلك كلتاهما بلغتا الكمال.
جاء في رواية عن الرسول صلىاللهعليهوآله : «كَمُلَ مِنَ الرِّجَال كثيرٌ ولم يكمل من النساء إلَّا أربع ، آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد» (١).
مريم وآسية عاشتا بيئتين متضادتين وبلغتا الكمال ، وفي ذلك درس عظيم وعبرة للجميع. وعلى الناس أن يفهموا أن المقياس الأساس هو إرادة الانسان وعزمه ، فلا يُعدُّ فساد العائلة أو المجتمع والبيئة وما شابه ذلك عذراً ، فإنَّه يصعب بلوغ الهدف مع وجود هذه الامور لكن لا يستحيل ، ويمكن الانتصار والتغلب على الموانع من خلال التحلّي بإرادة صلبة ؛ سعياً لبلوغ القرب الالهي ، كما فعلت آسية ، والارادة والعزم هما اللذان يلعبان الدور الاساسي في هذا المجال.
خطابات الآية
١ ـ العفَّة رأس مال عظيم
آية المثل أكّدت على فضيلة العفة التي كانت مريم تتحلّى بها ، وهي صفة لو تمتع به أحد (سواء كان رجلاً أو امرأة) حصل على كل شيء ولو فقدها فقد كلّ شيء. لو تحلَّت المرأة بهذه
__________________
(١) مجمع البيان ١٠ : ٣٢٠ (نقلاً عن ميزان الحكمة ، الباب ٣٥٣٥ ، الحديث ١٧٦٧٤).