من هنا كان توصيف وبيان هذه الحالات والأعمال بالالفاظ الدنيوية أمراً مستحيلاً ولا يمكن بيانها بوضوح ، لذلك كان علينا مزاولة هذا العمل باستخدام المفاهيم الدنيوية المشابهة لتلك المفاهيم والألفاظ الأقرب لهذا البيان ، لترتسم بذلك صور قريبة لواقع النعم والعذاب الاخروي.
كمثال على ذلك ، عند ما يقال بأنَّ في الجنة أشجاراً ، فإنّه لا يمكن القياس والمقارنة بين فوائد الأشجار في العالمين. وبالنسبة إلى تفسير الآية ٥٤ من سورة الرحمن (وَجَنَى الجَنّتَيْنِ دَانٍ) فيقال : إنَّ ثمار أشجار الجنة قريبة غير بعيدة بحيث تكون سهلة الوصول. وفي تفسير الآية ٤٨ من السورة المذكورة (ذَوَاتَا أفْنَانٍ) يقال : إنّ الغصن الواحد يضمّ ثماراً مختلفة ، لكن لا يعرف أنَّ الثمار هناك هي نفسها التي هنا.
أو أنَّ أصحاب الجنة إذا ما أرادوا الاصغاء إلى الأنغام والموسيقى ، أخذت غصون الاشجار تتلاطم وتخرج من نفسها أصواتاً وأنغاماً.
وعلى هذا ، فنحن ندرك وجوه الشبه بين أشجار الدنيا والآخرة ، لكنا لا ندرك ولا نشعر بها ولا بما يتولد من أنغام وموسيقى وثمار.
إيضاح
مع الالتفات إلى المقدمة ، فإنَّ الآية من جملة الآيات التي هي في صدد عرض تشابيه للجنة ، وبيان أو ترسيم موقع المتقين فيها. من هنا كان خبر الآية محذوفاً ، أي أنَّ الآية كانت بهذا الشكل : (مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ كجنةٍ تجْرِي ...) أي أنَّ في الجنة بساتين ليست مثل بساتين دنيانا ؛ لأنّه أولاً : أن منابع المياه فيها ذاتية وتلقائية ، وتوجد عين قرب كل شجرة ولا حاجة لتأمين المياه من الخارج. ثانياً : أنَّ ثمار الجنة دائمية وفي جميع الفصول. ثالثاً : أنَّ ظل الاشجار هناك دائمي وخالد ، أي أنَّ أوراق الاشجار لا تتساقط أبداً.
الخطابات المهمة للآية
المستفاد من الآيات العديدة هو كون التقوى هو مقياس الثواب الإلهي في الآخرة.