وفي المثل الذي هو موضع بحثنا تكون الدنيا مشبَّهاً ، والغيث والنباتات مشبّهاً به ، لكن ما هو وجه الشبه؟ أي ما هو الذي في النباتات والزهور يشبه الدنيا؟
احتمل المفسرون عدّة احتمالات هنا :
الاول : شبِّهت الدنيا بالنباتات من حيث عدم الثبات وكونها مؤقتة وزائلة ، فكما أن طراوة النباتات وخضارها ليس دائماً وتصفرُّ بعد فترة من الزمن كذلك الحياة الدنيا فلا دوام لها ولا وفاء لها لأيٍّ من البشر ، فهي زائلة وفانية (١).
الثاني : وجه الشبه هو التحولات الدنيوية السريعة ، فهي سرعان ما تتغيّر ، فالملك قد يتحوّل إلى فقير متسوّل أو يُسجن ، والرئيس قد يُقال من منصبه ، وتحولات من هذا القبيل كثيرة في الدنيا ، ولا ينبغي الوثوق بها في أي وقت ، فهي كبيت العنكبوت ، فإذا كنت شاباً فلا تغرّك طاقتك وقدرتك ، وإذا كنت ثرياً فلا تغرّك ثروتك ، وإذا كنت صاحب مقام وشأن فلا يغرّك شأنك ومقامك.
الخلاصة : لا تغتر بوضعك الراهن ، فان الأوضاع غير ثابتة ، ويمكن أن تتحول الأوضاع كلها في حادث واحدٍ.
الثالث : اعتبر البعض الخداع هو وجه الشبه ، فكما أن النباتات جذّابة وخادعة ومتنوّعة كذلك الدنيا ، فهي كالحية ذات الظاهر الجذّاب والخادع.
العاقل لا يفكّر بلحظة طراوة النباتات فقط بل بفصل الخريف ، الذي سرعان ما يقدم ويبدّل خضار النباتات إلى صفارٍ ، فلا يغتر بخضارها الخادع ، ولا ظاهرها الفاتن دون أن يفكّر بباطنها الأجوف (٢).
٢ ـ الهدف من الخلق
هل ينثر المزارع البذور في الأرض دون هدف؟ هل ينمّي الفلاح النباتات والزهور دون
__________________
(١) انظر مجمع البيان ٩ : ٢٣٩.
(٢) انظر الميزان ١٩ : ١٧١.