ولأجل هذا الجواب الصريح كانوا ينسبون له الجنون ؛ لأن شخصاً يترك أفضل النساء والجاه والمقام والثروة لغرض الدعوة للتوحيد لا بدَّ وأن يكون ـ حسب عقليتهم ـ مجنوناً.
نعم ، إنَّ الموحِّدين مجانين من وجهة نظر عبدة الدنيا ، الموحِّد عند ما يجد ضالة في الشارع أو الزقاق يسعى متواصلاً للحصول على صاحبها ، وهذا العمل يُعدُّ جنوناً من وجهة نظر الدنيويين ؛ لأن العقل من وجهة نظرهم هو عبادة الدنيا ، أمَّا الطهارة والتقوى فجنون!
من هذه التهم التي أطلقها الأعداء نفهم أن الرسول صلىاللهعليهوآله كان رجلاً لا يراهن على مبادئ الاسلام ولا يستبدلها بأي شيءٍ ، ولذلك دُعي مجنوناً ومسحوراً.
ونستفيد من نسبة الكهانة إليه أنه كان يعلم الغيب ويخبر عنه دون أن يخطأ بحيث يصدق إخباره ويتطابق مع الواقع ، ولهذا جاء ما يلي في الآيات الاولى من سورة الروم :
(غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ)
وفقاً للآية غُلبت الروم بواسطة الفرس ، وبعد فترة غير طويلة غلبت الروم الفرس ، وتزامن مع ذلك انتصار المسلمين ، وعند ما شاهد الكفار تحقُّق هذا الأمر وصدق إخبار الرسول بالغيب نسبوا إليه الكهانة ، واين هو من الكهانة مع أن إخباره عن الغيب يكشف عن واقع وحقيقة مستقبلية لا كذباً ولا وهماً.
لماذا نسبوا إليه الشعر؟
سبب نسبة الشعر إلى الرسول صلىاللهعليهوآله هو أنَّ آيات القرآن كانت فصيحة وبليغة وموزونة بدرجة استقطبت قلوب الناس ، فما كان مفرٌّ للكفار إلَّا أن يقولوا : إنَّه شاعر ، وقد أجابهم القرآن الكريم من الآية ٦٩ من سورة ياسين بما يلي :
(وَمَا عَلَّمنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إنْ هُوَ إلَّاذِكْرٌ وقُرآنٌ مُبِينٌ)
نسبة الشعر للرسول صلىاللهعليهوآله تكشف عن جاذبية ولطافة وظرافة في القرآن.
ونسبة السحر للرسول صلىاللهعليهوآله تحكي عن آثار مهمة ومعجزة ترشَّحت عن الرسول صلىاللهعليهوآله ، الأمر الذي أعجزهم عن مواجهته بالحق والحقيقة والواقعية فاضطرَّهم ذلك لإلصاق هذه