قوله : «وأسرّوه» الظّاهر أن الضمير المرفوع يعود على السّيّارة ، وقيل : هو ضمير إخوته ، فعلى الأول : أن الوارد ، وأصحابه أخفوا من الرفقة أنهم وجدوه في الجبّ ، وقالوا : إن قلنا للسّيّارة التقطناه شاركونا ، وإن قلنا : اشتريناه سألونا الشّركة ، فلا يضرّ أن نقول : إنّ أهل الماء جعلوه بضاعة عندنا على أن نبيعه بمصر.
وعلى الثاني : نقل ابن عبّاس : ـ رضي الله عنهما ـ «وأسرّوه» يعني إخوة يوسف أخفوا كونه أخاهم ، بل قالوا : إنّه عبد لنا أبق منا ، ووافقهم يوسف على ذلك ؛ لأنهم توعّدوه بالقتل بلسان العبرانيّة (١).
و (بضاعة) نصب على الحال. قال الزّجّاج كأنه قال : «وأسرّوه حال ما جعلوه بضاعة» ، وقيل : مفعول ثان على أن يضمّن «أسرّوه» معنى صيّروه بالسّرّ.
والبضاعة : هي قطعة من المال تعدّ للتّجارة من بضعت ، أي : قطعت ومنه : المبضع لما يقطع به.
ثم قال : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ) والمعنى : أنّ يوسف لما رأى الكواكب والشمس ، والقمر في النّوم سجدت له ، وذكر ذلك ؛ حسده إخوته ، فاحتالوا في إبطال ذلك الأمر عليه ، فأوقعوه في البلاء الشّديد ، حتى لا يتم له ذلك المقصود ؛ فجعل الله ـ تعالى ـ وقوعه في ذلك البلاء سببا لوصوله إلى «مصر» ، ثمّ تتابع الأمر إلى أن صار ملك مصر ، وحصل ذلك الذي رآه في النّوم ، فكان العمل الذي عمله إخوته دفعا لذلك المطلوب ، صيّره الله سببا لحصول ذلك المطلوب ، ولهذا المعنى قال : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ).
قوله تعالى : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ) شرى بمعنى اشترى ، قال الشاعر : [الطويل]
٣٠٧١ ـ ولو أنّ هذا الموت يقبل فدية |
|
شريت أبا زيد بما ملكت يدي (٢) |
وبمعنى : باع ؛ قال الشاعر : [مجزوء الكامل]
٣٠٧٢ ـ وشريت بردا ليتني |
|
من بعد برد كنت هامه (٣) |
فإن قلنا : المراد من الشّراء نفس الشراء ، فالمعنى : أنّ القوم اشتروه ، وكانوا فيه من الزّاهدين ؛ لأنهم علموا بقرائن الأحوال أنّ إخوة يوسف كذبوا في قولهم : إنّه عبد لنا ، وأيضا : عرفوا أنّه ولد يعقوب ، فكرهوا أيضا شراءه ؛ خوفا من الله ـ تعالى ـ من ظهور تلك الواقعة ، إلّا أنّهم ـ مع ذلك ـ اشتروه بالآخرة ؛ لأنّهم اشتروه بثمن بخس ، وطمعوا
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٦٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٧) وعزاه إلى الطبري.
(٢) ينظر البيت في روح المعاني ١٢ / ٢٠٤ والبحر ٥ / ٢٩١ والدر المصون ٤ / ١٦٥.
(٣) تقدم.