أحدها : أن يكون بدلا من ضمير «أنزلناه» أو حالا موطئة منه ، والضمير في : «أنزلناه» على هذين القولين يعود على الكتاب ، وقيل : «قرآنا» مفعول به ، والضمير في «أنزلناه» ضمير المصدر ، و «عربيّا» نعت للقرآن ، وجوّز أبو البقاء : أن يكون حالا من الضمير في : «قرآنا» إذا تحمّل ضميرا ، يعني : إذا جعلناه حالا مؤولا بمشتقّ ، أي : أنزلناه مجتمعا في حال كونه عربيّا.
والعربيّ منسوب إلى العرب ؛ لأنّه نزل بلغتهم ، وواحد العرب : عربيّ ، كما أن واحد الرّوم: روميّ ، أي : أنزلناه بلغتكم ، لكي تعلموا معانيه ، وتفهموا ما فيه ، و «عربة» ـ بفتح الرّاء ـ ناحية دار إسماعيل ـ عليهالسلام ـ قال الشاعر : [الطويل]
٣٠٤٣ ـ وعربة أرض ما يحلّ حرامها |
|
من النّاس إلّا اللّوذعيّ الحلاحل (١) |
سكن راءها ضرورة ؛ فيجوز أن يكون العربي منسوبا إلى هذه البقعة.
فصل
احتج الجبّائيّ بهذه الآية : على كون القرآن مخلوقا ، لقوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) والقديم لا يجوز إنزاله وتحويله من حال إلى حال ؛ ولأنّه ـ تعالى ـ وصفه بكونه : «عربيّا» والقديم لا يكون عربيّا ؛ ولأنّ قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) يدلّ على أنّه سبحانه وتعالى ـ قادر على أن ينزله لا عربيّا ؛ ولأنّ قوله : (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ) يدلّ على أنّه مركب من الآيات والكلمات ، والمركّب محدث.
قال ابن الخطيب (٢) : «والجواب عن هذه الوجوه أن نقول : المركّب من الحروف والكلمات محدث ، وذلك لا نزاع فيه ، إنّما الذي ندّعي قدمه شيء آخر ، فسقط هذا الاستدلال».
قوله (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) : قال الجبائي : «كلمة «لعلّ» نحملها على اللّام ، والتقدير: إنّا أنزلناه قرآنا عربيّا لتعقلوا معانيه في أمر الدّين ، إذ لا يجوز أن يراد ب (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) : الشّك ؛ لأنّه على الله ـ تعالى ـ محال ، فثبت أنّ المراد : لكي تعرفوا الأدلّة ، وذلك يدلّ على أنّه ـ سبحانه وتعالى ـ أراد من كلّ العباد أن يعقلوا توحيده ، وأمر دينه ، من عرف منهم ، ومن لم يعرف».
قال ابن الخطيب : «والجواب : هب أنّ الأمر كما ذكرتم ، إلّا أنّه يدلّ على أنه ـ تعالى ـ أنزل هذه السورة وأراد منهم معرفة كيفيّة هذه القصّة ، لكن لم قلتم : إنّها تدلّ على أنه ـ تعالى ـ أراد من الكلّ الإيمان والعمل الصالح؟».
__________________
(١) ينظر البيت في روح المعاني ١٢ / ١٧٤ والتهذيب واللسان (عرب) والبحر ٥ / ٢٧٩ والدر المصون ٤ / ١٥٠.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ١٨ / ٦٨.