بلدة يعقوب مع أنها كانت قريبة من بلدة يوسف ـ عليهالسلام ـ ولكن لم يصل خبر أحدهما إلى الآخر على سبيل يقتضي العلم.
قوله تعالى : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨) قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ (٨٩) قالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذا أَخِي قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٩٠) قالُوا تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ (٩١) قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢) اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ)(٩٣)
قوله تعالى : (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ) الآية اتفق المفسّرون على أنّ هنا محذوفا ، وتقديره : فخرجوا راجعين إلى مصر ، ودخلوا على يوسف ، فقالوا : يا أيّها العزيز.
فإن قيل : إذا كان يعقوب أمرهم أن يتحسسوا من يوسف وأخيه ، فلم عادوا إلى الشكوى؟.
فالجواب : أنّ المتحسّس يصل إلى مطلوبه بجميع الطّرق ، والاعتراف بالعجز ، وضموا رقّة الحال ، وقلّة المال ، وشدّة الحاجة ، وذلك ممّا يرقّق القلب ، فقالوا : نجرّبه في هذه الأمور ، فإن رقّ قلبه لنا ذكرنا له المقصود ، وإلا سكتنا ، فلهذا قدّموا ذكر ذلك فقالوا : «يا أيّها العزيز» والعزيز : الملك القادر الممتنع : «مسّنا وأهلنا الضّرّ» وهو الفقر ، والحاجة ، وكثرة العيال وقلّة الطّعام ، وعنوا بأهلهم من خلفهم.
قوله : «مزجاة» أي مدفوعة يدفعها كلّ أحد عنه لزهادته فيها ، ومنه : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً) [النور : ٤٣] أي : يسوقها بالريح ؛ وقال حاتم : [الطويل]
٣١٤٣ ـ ليبك على ملحان ضيف مدفّع |
|
وأرملة تزجي مع اللّيل أرملا (١) |
ويقال : أزجيت رديء الدرهم فزجي ، ومنه استعير زجا الجراح تزجو زجا وجراح زاج. وقول الشاعر : [البسيط]
٣١٤٤ ـ وحاجة غير مزجاة من الحاج (٢)
أي : غير يسيرة يمكن دفعها ، وصرفها لقلّة الاعتداد بها ، فألف «مزجاة» منقلبة عن واو.
__________________
(١) ينظر البيت في : اللسان «رمل» ، البحر ٥ / ٣٣٥ ، روح المعاني ١٣ / ٤٦ ، الطبري ١٦ / ٣٣٥ ، الدر المصون ٤ / ٢١١.
(٢) ينظر البيت في : مجاز القرآن ١ / ٣١٧ ، اللسان «زجا» ، التهذيب ١١ / ١٥٥ ، الدر المصون ٤ / ٢١١.