والجزء : بعض الشيء ، والجمع : أجزاء ، وجزّأته : جعلته أجزاء. والمعنى : أنه ـ تعالى ـ يجزّىء أتباع إبليس أجزاء ، أي : يجعلهم أقساما ، ويدخل في كل باب من أبواب جهنّم طائفة ؛ والسبب في ذلك : أنّ مراتب الكفر مختلفة بالغلظة والخفة.
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ (٤٦) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٧) لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ)(٤٨)
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) الآيات ، لمّا شرح أحوال أهل العقاب ، أتبعه بصفة أهل الثّواب.
وروي أنّ سلمان الفارسيّ ـ رضي الله عنه ـ لما سمع قوله تعالى : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) مرّ ثلاثة أيّام من الخوف لا يعقل ، فجيء به إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسأله ، فقال : يا رسول الله ، نزلت هذه الآية : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ) : فو الذي بعثك بالحق نبيّا ، لقد قطعت قلبي ، فأنزل الله ـ تعالى ـ (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ).
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : [أراد](١) بالمتقين : الذين اتقوا الشّرك بالله تعالى ، والكفر به ، وبه قال جمهور الصحابة ، والتّابعين (٢).
وهو الصحيح ؛ لأنّ المتقي هو الآتي بالتقوى مرة واحدة ، كما أن الضّارب هو الآتي بالضرب ، والقاتل هو الآتي بالقتل مرة واحدة ، فكما أنه ليس من شرط صدق الوصف بكونه ضاربا ، وقاتلا ، أن يكون آتيا بجميع أنواع الضرب والقتل ، ليس من شرط صدق الوصف بكونه متّقيا كونه آتيا بجميع أنواع التقوى ؛ لأنّ الآتي بفرد واحد من أفراد التقوى ، يكون آتيا بالتقوى ؛ لأنّ كل فرد من أفراد الماهية ، يجب كونه مشتملا على تلك الماهيّة ، وبهذا التحقيق استدلّوا على أنّ الأمر لا يفيد التّكرار.
وإذا ثبت هذا فنقول : أجمعت الأمة على أنّ التقوى عن الكفر شرط في حصول الحكم بدخول الجنة.
وقال الجبائي ، وجمهور المعتزلة : المتقين : هم الّذين اتّقوا جميع المعاصي ، قالوا : لأنه اسم مدح ، فلا يتناول إلّا من [كان](٣) كذلك.
واعلم أنّ الجنات أربعة ؛ لقوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) [الرحمن : ٤] ثم قال : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) [الرحمن : ٦٢] فيكون [المجموع](٤) أربعة.
قوله : «وعيون» : قرأ ابن كثير ، والأخوان ، وأبو بكر ، وابن ذكوان : بكسر عين
__________________
(١) في أ : المراد.
(٢) ذكره الرازي في «تفسيره» (١٩ / ١٥٢).
(٣) في ب : هو.
(٤) في أ : مجموعها.