الأول : قال الزجاج «معنى النّداء في هذه الأشياء : تنبيه المخاطبين ، وتوكيد القصّة ، فإذا قلت : يا عجباه ، فكأنك قلت : اعجبوا».
الثاني : قال أبو عليّ : «كأنه يقول : يا أيتها البشرى هذا الوقت وقتك ، ولو كنت ممّن يخاطب لخوطبت ، ولأمرت بالحضور».
واعلم أنّ سبب البشارة : أنهم وجدوا غلاما في غاية الحسن فقالوا : نبيعه بثمن عظيم ، ويصير ذلك سببا للغناء.
والقول الثاني : قال السديّ : الذي نادى كان اسم صاحبه بشرى فناداه فقال : يا بشراي ، كما تقول : «يا زيد» (١).
وعن الأعمش أنه قال : دعا امرأة اسمها بشرى.
قال أبو علي الفارسيّ (٢) إن جعلنا البشرى اسما للبشارة ، وهو الوجه ؛ جاز أن يكون في محلّ الرفع ، كما قيل : «يا رجل» لاختصاصه بالنّداء ، وجاز أن يكون موضع نصب على تقدير : أنه جعل هذا النّداء شائعا في جنس البشرى ، ولم يخص كما تقول : يا رجلا ، و (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) [يس : ٣٠].
وقرأ ورش (٣) عن نافع : «يا بشراي» بسكون الياء ، وهو جمع بين ساكنين على غير حدّه في الوصل ، وهذا كما تقدم في (عَصايَ) [طه : ١٨] وقال الزمخشري : «وليس بالوجه ، لما فيه من التقاء السّاكنين على غير حدّه إلّا أن يقصد الوقف».
وقرأ الجحدريّ (٤) ، وابن أبي إسحاق ، والحسن : «يا بشريّ» بقلب الألف ياء وإدغامها في ياء الإضافة ، وهي لغة هذليّة ، تقدم الكلام عليها في البقرة عند قوله : (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) [البقرة : ٣٨].
وقال الزمخشريّ (٥) : «وفي قراءة الحسن : «يا بشريّ» بالياء مكان الألف جعلت الياء بمنزلة الكسرة قبل ياء الإضافة ، وهي لغة للعرب مشهورة ، سمعت أهل السروات في دعائهم يقولون : يا سيّديّ ، وموليّ».
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧ / ١٦٤ ، ١٦٥) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤ / ١٧) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
وذكره أيضا (٤ / ١٧) عن الشعبي مثله وعزاه إلى أبي الشيخ.
(٢) ينظر : الحجة ٤ / ٤١٢.
(٣) ينظر : الحجة ٤ / ٤١٠ وإعراب القراءات السبع ١ / ٣٠٦ ، والكشاف ٢ / ٤٥٢ والمحرر الوجيز ٣ / ٢٢٨ والبحر المحيط ٥ / ٢٩١ والدر المصون ٤ / ١٦٥.
(٤) وقرأ بها أيضا أبو الطفيل ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٢٨ والبحر المحيط ٥ / ٢٩١ والدر المصون ٤ / ١٦٥.
(٥) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٥٢.