(إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) والغرض منه : [تقوية](١) قلب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإزالة الحزن عنه وتسليته.
فصل
قال القاضي (٢) : قوله تعالى (إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) يدل على بطلان قول من يجوز الخلف على الله ـ تعالى ـ في ميعاده ، وهذه الآية وإن كانت واردة في حق الكفار إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وعمومه يتناول كل وعيد ورد في حق [الفساق](٣) من العناد.
والجواب : أن الخلق غير ، وتخصيص العموم غير ، ونحن لا نقول بالخلف ، ولكننا نخصص عمومات الوعيد بالآيات الدالة على العفو.
قوله تعالى : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٣٢) أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ)(٣٤)
قوله تعالى : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) الآية لما طلبوا المعجزات من الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ على سبيل الاستهزاء ، وكان يتأذى من تلك الكلمات ، فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآية تسلية له وتصبيرا على سفاهتهم فقال : إن أقوام سائر الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ استهزؤوا بهم كما أن قومك يستهزئون بك (فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أمهلتهم وأطلت لهم المدة بتأخير [العقوبة](٤)(ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ) عاقبتهم في الدنيا بالقتل ، وفي الآخرة بالنار (فَكَيْفَ كانَ عِقابِ) لهم؟.
والإملاء : الإمهال وإن تركوا مدة من الزمان في خفض وأمن كالبهيمة يملى لها في المرعى ، ومنه الملوان وهو الليل والنهار.
قوله (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ) «من» موصولة ، وصلتها «هو قائم» والموصول مرفوع بالابتداء ، وخبره محذوف تقديره : كمن ليس كذلك من شركائهم التي لا تضر ولا تنفع ، ودل على هذا المحذوف ، قوله (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) ونحوه قوله (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) [الزمر : ٢٢] تقديره : كمن قسا قلبه.
يدل عليه أيضا (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) [الزمر : ٢٢] وإنما حسن حذفه
__________________
(١) في أ : تسلية.
(٢) ينظر : الفخر الرازي ١٩ / ٤٤.
(٣) ب : الكفار.
(٤) في أ : العقاب.