فالجواب : أن الله ـ تعالى ـ بين عذر خليله في استغفاره لأبيه في سورة التوبة.
وقال بعضهم : كانت أمه مؤمنة ، ولهذا خص أباه بالذكر في قوله : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) [التوبة : ١١٤].
في قوله : (يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ) قولان :
الأول : يقوم إلى بيت المقدس ، وهو مشتقّ من قيام القائم على الرجل ، كقولهم : قامت الحرب على ساقها ، ونظيره : قوله : قامت الشمس أي : اشتعلت ، وثبت ضوؤها كأنّها قامت على رجل.
الثاني : أن يسند إلى الحساب قيام أهله على سبيل المجاز ، كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢].
قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤) وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (٤٥) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦) فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (٤٧) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ)(٥٢)
قوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) لما بين دلائل التّوحيد ثمّ حكى عن إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أنه طلب من الله العظيم أن يصونه عن الشرك ، وأن يوفقه للأعمال الصّالحة ، وأن يخصه الله بالرحمة والمغفرة في يوم القيامة ، ذكر بعده ما يدل على وجود القيامة ، فهو قوله ـ عزوجل ـ (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) وذلك تنبيه على أنّه ـ تبارك وتعالى ـ لو لم ينتقم للمظلوم من الظّالم للزم إمّا أن يكون غافلا عن ذلك الظّالم ، أو عاجزا عن الانتقام ، أو كان راضيا بذلك الظّلم ولما كانت الغفلة ، والعجز ، والرّضا بالظّلم محالا على الله امتنع أن لا ينتقم من الظّالم للمظلوم.
فإن قيل : كيف يليق بالرّسول ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أن يحسب الله ـ عزوجل ـ موصوفا بالغفلة؟.