عنها ، وأمّا واقعة يوسف صلوات الله وسلامه عليه فهو عليهالسلام كان يعلم كذبهم في السّبب الذي ذكروه ، وأما السّبب الحقيقي ، فلم يعلمه.
وأيضا : أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ كان يعلم حياة هؤلاء ، وأمّا يوسف فما كان يعلم أنّه حي ، أو ميت ، فلهذه الأسباب عظم حزنه على مفارقته.
قوله : (يا أَسَفى) الألف منقلبة عن ياء المتكلم ، وإنّما قلبت ألفا ؛ لأنّ الصّوت معها أتم ، ونداؤه على سبيل المجاز ، كأنّه قال : هذا أوانك فاحضر ، نحو : «يا حسرتا». وقيل هذه ألف الندبة ، وحذفت هاء السّكت وصلا.
قال الزمخشريّ : والتّجانس بين لفظتي الأسف ، ويوسف ممّا يقع مطبوعا غير متعمل فيملح ، ويبدع ، ونحوه : (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ) [التوبة : ٣٨] (يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) [الأنعام : ٢٦] (يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ) [الكهف : ١٠] (مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ) [النمل : ٢٢].
قال شهاب الدّين (١) : ويسمّى هذا النّوع تجنيس التّصريف ، وهو أن تشترك الكلمتان في لفظ ، ويفرق بينهما بحرف ليس في الأخرى ، وقد تقدّم [الأنعام : ٢٦].
وقرأ ابن عباس (٢) ، ومجاهد «من الحزن» بفتحتين ، وقتادة بضمتين والعامة بضمة فسكون.
فالحزن ، والحزن ، كالعدم ، والعدم ، والبخل والبخل ، وأمّا الضمتان فالثانية إتباع.
وقال الواحديّ : اختلفوا في الحزن ، والحزن ، فقال قوم : الحزن : البكاء والحزن ضد الفرح ، وقال قوم : هما لغتان ، يقال : أصابه حزن شديد وحزن شديد ، إذا كان في مواضع النّصب ، فتحوا الحاء ، والزّاي كقوله : (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً) [التوبة : ٩٢] ، وإذا كان في موضع الرفع (٣) ، والخفض فبضم الحاء ، كقوله : (مِنَ الْحُزْنِ) وقوله : (أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ) قال : هما في موضع رفع بالابتداء.
و «كظيم» يجوز أن يكون مبالغة بمعنى فاعل ، وأن يكون بمعنى مفعول ، كقوله : (وَهُوَ مَكْظُومٌ) [القلم : ٤٨] وبه فسّره الزمخشريّ ، فإن كان بمعنى الكاظم فهو الممسك على حزنه فلا يظهره ، وإن كان بمعنى المكظوم ، فقال ابن قتيبة : «معناه المملوء من الهمّ ، والحزن مع سدّ طريق نفسه المصدور ، من كظم السّقاء ، إذا اشتدّ على ملئه ، ويجوز أن يكون بمعنى مملوء من الغيظ على أولاده».
فصل
تقدّم الكلام على الأسف ، وأمّا قوله : (وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ) فقيل : إنّه لما قال :
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٤ / ٢٠٨ ـ ٢٠٩.
(٢) ينظر : المحرر الوجيز ٣ / ٢٧٢ ، والبحر المحيط ٥ / ٣٣٣ والدر المصون ٤ / ٢٠٩.
(٣) في ب : الضم.