فصل
تمسّك بعضهم بهذه الآية على أن الملك أفضل من البشر فقال : إنه ـ سبحانه ـ ختم مراتب سعادات البشر بدخول الملائكة عليهم على سبيل التحية والإكرام والتعظيم والسلام ، فكانوا أجل مرتبة من البشر لما كان دخولهم عليهم موجبا علو درجتهم وشرف مراتبهم ، ألا ترى أن من عاد من سفره أو مرضه فعاده الأمير والوزير والقاضي والمفتي فتعظم درجته عند سائر الناس فكذا هاهنا.
قوله (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) الآية قال الزجاج : «ههنا محذوف تقديره والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ويقولون : سلام عليكم ، فأضمر القول ههنا ؛ لأن في الكلام دليلا عليه والجملة محكية بقول مضمر والقول المضمر حال من فاعل «يدخلون» أي يدخلون قائلين. قوله «بما صبرتم» متعلق بما تعلق به «عليكم».
قال ابن الخطيب (١) : متعلق بمحذوف ، أي : أن هذه الكرامات التي ترونها إنما حصلت بصبركم و «ما» مصدرية ، أي : سبب صبركم ، ولا يتعلق ب «سلام» ، لأنه لا يفصل بين المصدر ومعموله بالخبر قاله أبو البقاء.
وقال الزمخشري (٢) : «ويجوز أن يتعلق ب «سلام» أي : نسلم عليكم ونكرمكم بصبركم».
ولما نقله عنه أبو حيان لم يعترض عليه بشيء. والظاهر أنه لا يعترض عليه بما تقدم لأن ذلك في المصدر المؤول بحرف مصدري وفعل هذا المصدر ليس من ذلك ، والباء إما سببية كما تقدم ، وإما بمعنى بدل أي : بدل صبركم ، أي : بما احتملتم مشاق الصبر.
وقيل : «بما صبرتم» خبر مبتدأ مضمر ، أي : هذا [الثواب](٣) الجزيل بما صبرتم.
وقرأ الجمهور : «فنعم» بكسر النون وسكون العين ، وابن يعمر (٤) بالفتح والكسر وقد تقدم أنها الأصل ؛ كقوله : [الرمل]
٣١٧٧ ـ ........... |
|
نعم السّاعون في الأمر الشّطر (٥) |
وابن وثاب بالفتح (٦) والسكون ، وهي تخفيف الأصل ، ولغة تميم تسكين عين فعل مطلقا والمخصوص بالمدح محذوف ، أي : الجنة.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ١٩ / ٣٧.
(٢) ينظر : الكشاف ٢ / ٥٢٧.
(٣) في ب : الصبر.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٧٧ ، والدر المصون ٤ / ٢٤٠.
(٥) البيت لطرفة بن العبد البكري. ينظر : الخصائص ٢ / ٤٠٨ ، الإنصاف ١ / ١٢٢ ، خزانة الأدب ٤ / ١٠١ ، لسان العرب (نعم) ، البحر المحيط ٥ / ٣٧٧ ، الدر المصون ٤ / ٢٤٠.
(٦) ينظر : البحر المحيط ٥ / ٣٧٨ والدر المصون ٤ / ٢٤٠.