جمع ؛ لأن هذه الصّيغة مختصّة بالتكسير ، وإذا كانوا قد التزموا ذلك فيما لم يصرح له مفرد من لفظه ، نحو : «شماطيط» ، و (أَبابِيلَ) (١) [الفيل : ٣] ففي أحاديث أولى».
ولهذا ردّ على الزمخشري قوله : «وهي اسم جمع للحديث ، وليس بجمع أحدوثة» بما ذكرنا ، ولكن قوله : «ليس بجمع أحدوثة» صحيح ؛ لأن مذهب الجمهور خلافه ، على أنّ كلامه قد يريد به غير ظاهره من قوله : «اسم جمع».
فصل
قال الزجاج (٢) : الاجتباء مشتقّ من جببت الشيء : إذا أخلصته لنفسك ، ومنه : جببت الماء في الحوض ، والمعنى : كما رفع منزلتك بهذه الرّؤيا العظيمة الدّالة على الشّرف والعز ، كذلك يجتبيك ربّك ، ويصطفيك ربّك بالنّبوّة.
وقيل : بإعلاء الدّرجة (ويعلمك من تأويل الأحاديث) : يريد تعبير الرّؤيا ، وسمّي تأويلا ؛ لأنّه يئول أمره إلى ما رأى في منامه ، والتأويل : ما يئول إليه عاقبة الأمر ، وكان ـ عليه الصلاة والسلام ـ غاية في علم التّعبير.
وقيل : في تأويل الأحاديث في كتبه ـ تعالى ـ ، والأخبار المرويّة عن الأنبياء المتقدمين ـ عليهم الصلاة والسلام ـ.
وقيل : الأحاديث : جمع «حديث» ، والحديث هو الحادث ، وتأويلها : مآلها ومآل الحوادث إلى قدرة الله ـ تعالى ـ ، وتكوينه ، وحكمته ، والمراد من تأويل الأحاديث :كيفية الاستدلال بأصناف المخلوقات على قدرة الله ـ تعالى ـ وحكمته ، وجلاله.
قوله : (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) يجوز أن يتعلق «عليك» ب «يتمّ» وأن يتعلق ب «نعمته» ، وكرّر «على» في قوله : «وعلى آل» لتمكن العطف على الضمير المجرور ، وهذا مذهب البصريّين.
وقوله (مِنْ قَبْلُ) أي : من قبلك ، واعلم : أنّ من فسر الاجتباء بالنّبوّة ، لا يمكنه أن يفسّر إتمام النّعمة ههنا بالنبوة ، وإلا لزم التكرار ، بل يفسر إتمام النّعمة ههنا : بسعادات الدنيا والآخرة.
أما سعادات الدنيا ؛ فالإكثار من الولد ، والخدم ، والأتباع ، والتّوسّع في المال والجاه ، والجلال في قلوب الخلق ، وحسن الثّناء والحمد ، وأما سعادات الآخرة ، فالعلوم الكثيرة ، والأخلاق الفاضلة.
__________________
(١) قال الفراء ٣ / ٢٩٢ : أبابيل : لا واحد لها ، مثل : الشماطيط ، والعباديد ، والشعارير ، كل هذا لا يفرد له واحد. ثم قال : وزعم لي الرؤاسي ، وكان ثقة مأمونا : أنه سمع واحدها إبالة لا ياء فيها ولقد سمعت من العرب من يقول : ضغث على إبّالة ... فلو قال واحد الأبابيل إيبالة كان صوابا ، كما قالوا : دينار ، دنانير.
(٢) ينظر : معاني القرآن ٣ / ٩١.