ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ وإن رددناه لزمنا الحكم بتكذيب الرواة ، ولا شك أن صون إبراهيم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ عن الكذب أولى من صون طائفة من المجاهيل عن الكذب.
إذا عرفت هذا الأصل ، فنقول للواحدي : ومن الذي يضمن لنا أنّ الذين نقلوا هذا القول عن هؤلاء المفسرين كانوا صادقين ، أو كاذبين. والله أعلم.
فصل
اختلفوا في البرهان ما هو؟.
فقال المحققون المثبتون للعصمة : رؤية البرهان على وجوه :
الأول : أنه حجّة الله ـ تعالى ـ في تحريم الزّنا ، والعلم بما على الزّاني من العذاب.
والثاني : أن الله ـ تعالى ـ طهّر نفوس الأنبياء عن الأخلاق الذّميمة ، بل نقول : إنه ـ تعالى ـ طهر نفوس المتصلين بهم عنها ، كما قال تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب : ٣٣] والمراد برؤية البرهان : هو حصول ذلك الإخلاص ، وترك الأحوال الدّاعية بهم إلى الإقدام على المنكرات.
الثالث : أنه رأى مكتوبا في سقف البيت : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً) [الإسراء : ٣٢].
الرابع : أنّه النبوة المانعة من ارتكاب الفواحش ، ويدلّ عليه أنّ الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ بعثوا لمنع الخلق من القبائح ، فلو أنّهم منعوا النّاس عنها ، ثم أقدموا على أقبح أنواعها لدخلوا تحت قوله (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) [الصف : ٢] وأيضا : فإن الله ـ تعالى ـ عيّر اليهود بقوله (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٤٤] وما كان عيبا في حق اليهود ، كيف ينسب إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم المؤيد بالمعجزات.
وأمّا الذين نسبوا المعصية إلى يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ فذكروا في ذلك البرهان وجوها :
الأول : أنّ المرأة قامت إلى صنم مكلّل بالدّرّ ، والياقوت في زاوية البيت ، فسترته بثوب ، فقال يوسف ـ عليه الصلاة والسلام ـ [ولم؟ قالت : أستحي من إلهي أن يراني على المعصية ، فقال يوسف :](١) أتستحين من صنم لا يسمع ، ولا يبصر ولا أستحي من إلهي القائم على كلّ نفس بما كسبت ، فو الله لا أفعل ذلك أبدا ، قال هذا هو البرهان.
الثاني : نقلوا عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ أنّه تمثّل له يعقوب ، فرآه عاضّا على أصبعه يقول له : لا تعمل عمل الفجّار ، وأنت مكتوب في زمرة الأنبياء ـ عليهم
__________________
(١) سقط من : ب.