وهو تعسّف ؛ لأنّ في الكلام ما هو جواب صريح كما تقدّم.
والثالث : أنّ الجواب هو قوله : «آوى» قال أبو البقاء (١) : «وهو جواب : «لمّا» الأولى ، والثانية ، كقولك : لمّا [جئتك] ، ولمّا كلّمتك أجبتني ، وحسّن ذلك أن دخولهم على يوسف ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ تعقب دخولهم من الأبواب. يعني أنّ «آوى» جواب الأولى ، والثانية ، وهو واضح.
فصل
قال المفسرون : لمّا قال يعقوب ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ : (وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) صدّق الله يعقوب فيما قاله ، أي : وما كان ذلك التّفريق يغني من الله من شيء.
قال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ : ذلك التّفريق ما كان يرد من قضاء الله تعالى ولا أمرا قدره الله تعالى (٢). وقال الزجاج : لو قدر أن يصيبهم لأصابهم ، وهم متفرّقون كما يصيبهم ، [وهم مجتمعون].
وقال ابن الأنباري : لو سبق في علم الله تعالى أنّ العين تهلكهم عند الاجتماع ؛ لكان تفرقهم كاجتماعهم ، وهذه كلمات متقاربة وحاصلها : أنّ الحذر لا يدفع القدر.
وقوله : «من شيء» يحتمل النّصب بالمفعولية ، والرفع بالفاعلية.
أمّا الأول فهو كقولك : ما رأيت من أحد ، والتقدير : ما رأيت أحدا ، كذا ههنا ، وتقدير الآية : أن تفرقهم ما كان يغني من قضاء الله شيئا.
وأما الثّاني فكقولك : ما جاءني من أحد وتقديره : ما جاءني أحد ، فيكون التقدير هنا : ما كان يغني عنهم من الله شيء مع قضائه.
قوله : «إلّا حاجة» فيه وجهان :
أحدهما : أنه استثناء منقطع ، وتقديره : ولكن حاجة في نفس يعقوب قضاها ، ولم يذكر الزمخشريّ غيره.
والثاني : أنه مفعول من أجله ، ولم يذكر أبو البقاء غيره ، ويكون التقدير : ما كان يغني عنهم بشيء من الأشياء إلّا لأجل حاجة كانت في نفس يعقوب عليهالسلام ، وفاعل : «يغني» ضمير التفرق المدلول عليه من الكلام المتقدّم.
وفيما أجازه أبو البقاء ـ رحمهالله تعالى ـ نظر من حيث المعنى لا يخفى على متأمّله. و «قضاها» صفة ل : «حاجة».
فصل
قال بعض المفسرين : من تلك الحاجة : خوفه عليهم من إصابة العين وقيل : خوفه عليهم من حسد أهل مصر ، وقيل : خوفه عليهم من أن يصيبهم ملك مصر بسوء.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ٢ / ٥٥.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٢ / ٤٣٨).