أشبه بالبداوة ، والاخرى أشبه بالارياف. والحياة في كليهما متماثلة في الغالب.
والحضارة لا تستغني عن هاتين الحياتين. وتعدهما الوسيلة لقوام أمرها. ولم تنقطع عن الحضارة. وانما تمدها دائما بما عندها من (مواد أولى) ، ومن (نفوس) بعد اجتياز مراحل في التقدم. ولا يمكن التفريق بوجه بين (حياة القرية) وبين (حياة البداوة والارياف). والتفاوت قليل جدا ، وناجم من الوضع الجغرافي. وحضارات الامم لم تكن بنجوة من ضروب هذه الحياة.
تكلمنا في (حياة البدو) في المجلد الاول وفي (حياة القرية) في المجلد الثاني. فلا ريب ان حياة الأرياف حالة تقدم نحو المدن ، فهي حلقة وسطى بين البداوة والمدنية كما ان القرية تقرب كثيرا من المدينة. إذ المدينة قرية متكاملة. وبحثنا هنا في الأرياف خاصة. وقوام هذه الحياة (الزراعة) و (الغرس). والزراعة لم تقطع الصلة بالبداوة ، بل لا تزال قريبة منها وفيها نوع من الاستقرار ، والغرس يفيد الاستقرار ويكتسب حالة ثبوت ، وحينئذ تفقد صفات البادية. ويصح أن نقول ان الزراعة أشبه بالقرية المتنقلة في العشائر الكردية ، والغرس أشبه بالقرية الثابتة لدى الكرد.
وهذه الحالات المطردة ، والحاجة المولدة لها قوام الحضارة في مراحلها ، والمجتمع في حياته. ويصعب علينا ان نفرق بين الأرياف في الزراعة أو الغرس وانما نقول الانتقال قريبا او بعيدا أو المرحلة قصيرة أو بطيئة. وربما استمرت إلى أمد حتى تتهيأ الدواعي والفرص إلى هذا الانتقال. ولعل الميل إلى المدن أقرب إلى هؤلاء.
ومن أجل ما هنالك ما يظهر في العشائر الكبيرة من حوادث سياسية تدعو إلى الالتفات. ويظهر لاول وهلة انها الاولى من نوعها أو غريبة ليس لها مثيل بين العشائر ، ولكن من اطلع على التاريخ عرف الاحوال ، وأدرك أسرار الادارة وعلاقتها بالعشائر فلا يستنكر وقوع أمثالها. وهذه تقرب من