فالهدى الأولية اصل ثابت تعم كل شيء : (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (٢٠ : ٥٠) ومن الهدى بيان الحق عن الضلال تعريفا بهما لكي يكون السالك على بصيرة من أمره : (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) (٩٠ : ١٠) (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها. فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٩١ : ٨) إلهاما بلا إلمام إلّا في تقواها ، فهو الهام التعريف بهما.
ولأن قصد السبيل هو مما كتب الله تعالى على نفسه من الرحمة ، وقصد الجائر هو خلاف الرحمة ، فلم يدخل هو في قصده إلا ثانويا إذا استحقه الجائر ، جزاء بما جار ، وانه ليس في المرحلة الثانوية إلّا هاديا لمن اهتدى أو مضلا لمن ضل ، وأما أن يهدي من ضل تسييرا فذلك خلاف الرحمة على المهتدين وخلاف الحكمة للضالين!.
ولماذا هناك (قَصْدُ السَّبِيلِ) مصدرا ، وهنا «جائر» فاعلا؟ لان المصدر ادل على المبالغة ، مهما دل عليها جائر السبيل بسبيل ادنى ، وان «قصد» قد يعنى منه اضافة الى فاعله ، إضافة الى فاعله : السبيل القاصد ، يعني فعل القصد من الله ، وكأنه لا فعل له إلّا قصد السبيل ليسلكها العالمون.
إذا فعلى الله قاصد السبيل ، وقصد ذلك السبيل ، تقريرا للسبيل القاصد ، وعناية الى قاصدها ليقصدها كما يحق ويصح.
ولان (عَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) قد يخيّل الى جماعة انه تسيير ، والى آخرين ان الاكثرية الساحقة غير السالكة سبيله القاصد متغلّبون على قصد السبيل وقد كتبها الله على نفسه ، لذلك يذيّلها بما يزيل هذه وتلك (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) بيانا أن (عَلَى اللهِ) لا يعني الإرادة التكوينية والتسيير ، بل ما يلائم الإختيار دون ان يغلب الله على أمره.
فمن المستحيل في الحكمة الربوبية ان يشاء هدى المكلفين دون اختيار