وترى أن السلطان المتقاضى هو آية الرسالة البنية؟ و (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ ...) (٥٧ : ٢٦) فما من رسول إلا أرسل بآية لرسالته بينة منذ دعوته فكيف يتطلبون سلطان الآية على رسالاتهم؟!.
انهم كانوا يتطلبون منهم آيات كما يشتهون غضّا عما أتوا به من آيات فيها الحجة البينة ، آيات هي سلطان على عقولهم كما يهوون ، ام هي سلطان على نفوسهم لو انهم رسل الله (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ ..) (٨ : ٣٢).
فالسلطان ـ أيا كان ـ هو السلطة عقلية او نفسية على طالبه ، غلبا على عقله حتى يصدّق ، ام غلبا على حياته إذ ليس ليصدّق ، وهو على أية حال آية غالبة ، ولا سيما المبين حيث يبين الحق عن الباطل ، ولذلك تمتاز عن سائر الآيات كما ويفرد بعدها بالذكر : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) (١١ : ٩٦) وهنا الجواب حازما حاسما بين تصديق لصادق الحجة وتكذيب لكاذب الدعوى :
(قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(١١).
ف (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) تصديق للماثلة ، ثم «ولكن ..» إخراج عنها ، فإنما المماثلة في البشرية الظاهرة بمتطلباتها ومشاركاتها ، ثم الخروج عن قضيتها المتعودة بما (يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ).
فكما أن المماثلة في أصل البشرية في سائر البشر لا تقتضي المساواة في العلم والعقل من الأمور المعنوية ، وبل ولا في الجمال والمال والأولاد وسائر الميّزات الظاهرة من غير المعنوية ، كذلك ـ وبأحرى ـ بالنسبة لخارقة معنوية كالوحي والرسالة.