(وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) ٣٥.
هؤلاء (الَّذِينَ أَشْرَكُوا) هم الذين خولطوا فخالطوا بين المشيئة التكوينية والتشريعية ، فلانهم يرونهم مشركين ، فلو شاء الله ألّا يشركوا ما كانوا مشركين ، إذا فقد شاء الله شركهم فأشركوا كما شاء ايمان الموحدين فوحّدوا.
ف «لو» هنا ـ على حد تعبيرهم الخالط الغالط ـ تحيل مشيئة التوحيد لهم ، استدلالا بواقع شركهم ، وأن مشيئة الله لا تغلب ، إذا فقد شاء واقع الشرك منا فأشركنا ، ام لم يشأ منا شيئا لا شركا ولا سلبه فلما ذا تدعوننا إلى رفضه ، ام شاء التوحيد فتغلبت مشيئتنا على مشيئة الله وذلك كفر بالله ، فهكذا يتبرر شركنا بالله ، حفاظا على كرامة الله!.
ومنهم الجبرية الناكرة للاختيار في الأفعال ، يقولون مثل قولهم ، و (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من المشركين ، استصوابا لفعلهم بذلك البرهان الماكر الحاكر ، ولكن :
(فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أنه ما شاء ولن يشأ شركهم في شرعته ، ودعاهم ببلاغ رسالي مبين في الآفاق وفي أنفسهم إلى توحيده ، وخيّرهم بين الايمان والكفر ، ورغّبهم في الايمان ونددهم بالكفر (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)؟!.
فقد شاء الله ألا تعبدوا إلّا إياه امرا مخيرا ، ولم يشاء الله ان تعبدوا سواه أمرا مسيّرا :
(وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) ٣٦.
و (لَقَدْ بَعَثْنا) ـ إلى ـ (الطَّاغُوتَ) يحمل امره التشريعي ، ثم (فَمِنْهُمْ ...