لفخاره ، ولأنه مفخر الكائنات! وقد يعني المسنون المتغير الى نتن ، وكالفخار يخص لينة الطين دون طيبته وفي ذلك عبرة لاولي الألباب ، وكما في عرض خلق الجنين من نطفة من مني يمنى ، وماء مهين ، ولحد القول : (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) إذ يختجل من ذكره لرداءته وعفونته وقذراته.
وهكذا خلق الإنسان الاوّل دون سواه ، حيث (بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) (٣٢ : ٨).
ولماذا «الإنسان» هنا دون «آدم» حين يخصه ذلك الخلق؟ لان نسله ليس إلّا منه فهو محكوم بحكمه ، وان خلق الأجنّة والأنسال ينتهي الى تراب : (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) (١٨ : ٣٧) (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ..) (٢٢ : ٥).
وآية الصلصال من الأدلة القاطعة على أن الإنسان الاول خلق قفزة من طين ، دون انتسال من حيوان او إنسان آخر ، سواء أكان ولادة القفزة ، ام تكامل التسلسل الدارويني(١).
__________________
(١) والدارون نفسه لم يكن متأكدا بصحة نظريته فانها لم تعد عن كونها فرضية ان الإنسان تكامل من القرد كما القرد تكامل من حيوان ادنى الى حيوان له واحدة.
ثم المائلون الى ان آدم الاول ولد من آدم ام أوادم في زمنه قد يستدلون بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (٣ : ٣٣) بتقريب ان اصطفاءه ، يتطلب انه كان بين أوادم آخرين فاصطفاه الله من بيتهم ، ويرده ان الاصطفاء وهو طلب الاصفى يكفيه اثنان فيصطفي أحدهما على الآخر ، ولقد كانت معه زوجه حواء فاصطفي عليها ، ثم والملائكة ، كانوا من الأصفياء ومن الجن أصفياء ، واصطفي آدم عليهم كلهم ، فأصبح رسولا على الجن كما على زوجه ثم ولده.