إذا فهما طلب التقدم والتأخر ، سعيا وكدحا ام دونهما ، عقليا وعلميا وايمانيا وعمليّا ، حيث الطلب ـ على اية حال ـ هو قضية الفطرة الإنسانية ، وأعمال الإنسان ومساعيه هي بين ما يقدّمه إنسانيا ام يؤخره شاء أم ابى ، عالما ام جاهلا او متجاهلا.
ومن الناس من يستقدم أحيانا ويستأخر اخرى (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً) (٩ : ١٠٢) إذا فهما تشملان عامة المكلفين في مثلثة الحالات دونما استثناء (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)(٢٥).
فالمستقدمون هم الذين يقدّمون أنفسهم بما يقدمون لأنفسهم ابتغاء ما عند الله ، تقديما لإيمان وعمل الإيمان ، وكل ما يتطلبه تقدّم الإيمان بعمله الصالح ، (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) (٢ : ٢٢٣) ومن «هم المؤمنون من هذه الأمة» (١) كافضلهم ، كما المؤمنون من سائر الأمم ، فالمستقدمون ـ إذا ـ يعم المستقدمين والمستأخرين والحاضرين زمنيا ، مهما كانت الأمة الأخيرة أفضلهم.
والمستقدم في معنى خاص هو من يقدم لحياته الأخرى ، والمستأخر من لا يقدم إلا شائكة الحياة بل يؤخرها إنسانيا فهو ـ إذا ـ رجعي عما تتطلبه الإنسانية وعلى ضوء الوحي ، كما المستقدم تقدّمي يتقدم إليها ويقدمها : (وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ. عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) (٨٢ : ٥).
ثم المستقدم في وجه عام ـ قضية استطارة الكتب واستنساخ الأعمال خيرّة وشريرة ـ يعم كل تقدمي ورجعي ، حيث الأعمال كلها تقدّم الى الحياة الاخرى ، مهما كانت الصالحات تقدّم الإنسان والطالحات تؤخره.
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ٧ عن تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في الآية قال : هم المؤمنون من هذه الامة.