عنهم.
(وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ (١٤١)).
عطف على جملة (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) ، فمضمون هذه علّة ثانية لجواب الشرط المحذوف المدلول عليه بقوله : (فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) وعلم الله بأنّهم مؤمنون متحقق من قبل أن يمسهم القرح.
فإن كان المراد من (الَّذِينَ آمَنُوا) هنا معنى الّذين آمنوا إيمانا راسخا كاملا فقد صار المعنى : أنّ علم الله برسوخ إيمانهم يحصل بعد مسّ القرح إيّاهم ، وهو معنى غير مستقيم ، فلذلك اختلف المفسّرون في المراد من هذا التّعليل على اختلاف مذاهبهم في صفة العلم ، وقد تقرّر في أصول الدّين أن الفلاسفة قالوا : إنّ الله عالم بالكلّيات بأسرها ، أي حقائق الأشياء على ما هي عليه ، علما كالعلم المبحوث عنه في الفلسفة لأنّ ذلك العلم صفة كمال ، وأنّه يعلم الجزئيات من الجواهر والأعراض علما بوجه كلّي. ومعنى ذلك أنّه يعلمها من حيث إنّها غير متعلّقة بزمان ، مثاله : أن يعلم أنّ القمر جسم يوجد في وقت تكوينه ، وأنّ صفته تكون كذا وكذا ، وأنّ عوارضه النورانية المكتسبة من الشّمس والخسوف والسّير في أمد كذا. أمّا حصوله في زمانه عند ما يقع تكوينه ، وكذلك حصول عوارضه ، فغير معلوم لله تعالى ، قالوا : لأنّ الله لو علم الجزئيات عند حصولها في أزمنتها للزم تغيّر علمه فيقتضي ذلك تغيّر القديم ، أو لزم جهل العالم ، مثاله : أنّه إذا علم أنّ القمر سيخسف ساعة كذا علما أزليا ، فإذا خسف بالفعل فلا يخلو إمّا أن يزول ذلك العلم فيلزم تغيّر العلم السابق فيلزم من ذلك تغيّر الذات الموصوفة به من صفة إلى صفة ، وهذا يستلزم الحدوث إذ حدوث الصّفة يستلزم حدوث الموصوف ، وإمّا أن لا يزول العلم الأول فينقلب العلم جهلا ، لأنّ الله إنّما علم أنّ القمر سيخسف في المستقبل والقمر الآن قد خسف بالفعل. ولأجل هذا قالوا : إنّ علم الله تعالى غير زماني. وقال المسلمون كلّهم : إنّ الله يعلم الكلّيات والجزئيات قبل حصولها ، وعند حصولها. وأجابوا عن شبهة الفلاسفة بأن العلم صفة من قبيل الإضافة أي نسبة بين العالم والمعلوم ، والإضافات اعتباريات ، والاعتباريات عدميات ، أو هو من قبيل الصّفة ذات الإضافة : أي صفة وجودية لها تعلّق ، أي نسبة بينها وبين معلومها. فإن كان العلم إضافة فتغيّرها لا يستلزم تغيّر موصوفها وهو العالم ، ونظّروا ذلك بالقديم يوصف بأنّه قبل الحادث ومعه وبعده ، من غير تغيّر في ذات