القصّة ونزول السورة بهم ، ثمّ أشكل عليه بأمرين :
الأوّل : إنّ السورة مشتملة على أمور أخر خارجة عن القصّة وغير متعلّقة بمدحهم ، كبيان خلق الإنسان وابتلائه ، وأنّه تعالى هداه السبيل ، وأنّه إمّا شاكر وإمّا كفور ، وكوعيد الكفّار .. إلى غير ذلك ممّا اشتملت عليه السورة (١).
وفيه : إنّ المقصود كونهم سببا لنزول السورة ، فلا يضرّ اشتمالها على أمور أخر ، على أنّ هذه الأمور المذكورة دخيلة في مدحهم ؛ لدلالتها عند بيان قصّتهم وإخلاصهم على فضلهم وامتيازهم على غيرهم.
الثاني : إنّ الممدوحين في الآيات ذكروا بصيغة الجمع ، كقوله تعالى : ( إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ ... ) (٢) و ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ ... * وَيُطْعِمُونَ ... ) (٣) إلى آخر الآيات ، فتخصيصه بجمع معيّنين خلاف الظاهر ، ويدخل فيهم أتقياء الصحابة والتابعين ، ولا يبقى للتخصيص معنى ألبتّة ، اللهمّ إلّا أنّ يقال : السورة إنّما نزلت عند صدور طاعة مخصوصة منهم (٤).
ولكنّه قد ثبت في أصول الفقه أنّ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب (٥).
وفيه : إنّ التخصيص وإن كان خلاف الظاهر ، لكن لا بدّ من
__________________
(١) انظر : تفسير الفخر الرازي ٣٠ / ٢٤٥.
(٢) سورة الإنسان ٧٦ : ٥.
(٣) سورة الإنسان ٧٦ : ٧ و ٨.
(٤) في المصدر : عنه.
(٥) انظر : تفسير الفخر الرازي ٣٠ / ٢٤٥.