صَدَقَةً ) ، فإنّ الأمر بتقديم الصدقة ظاهر في وجوبها ، فتجب المناجاة أيضا ، وإلّا لم يحصل عصيان بترك الصدقة ؛ لأنّ وجوب الصدقة مشروط بالمناجاة ، فإذا تركا معا لم يثبت عصيان ، وهو خلاف ما يقتضيه الإنكار والتوبة ، فلا بدّ من الالتزام بوجوبهما معا وبالعصيان بتركهما.
ومن الواضح أنّ المعصية بترك الصدقة اليسيرة ، ذات المصلحة الكبيرة ، الحاصلة بمناجاة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم لأكبر دليل على البخل والشحّ ، ولذا عبّر سبحانه بالإشفاق ؛ ، والبخيل لا يصلح للإمامة ، لا سيّما بهذا البخل.
وممّا صرّح ببخلهم ما حكاه المصنّف رحمهالله في « منهاج الكرامة » ، عن أبي نعيم ، عن ابن عبّاس ، قال : « إنّ الله حرّم كلام رسول الله إلّا بتقديم الصدقة ، وبخلوا أن يتصدّقوا قبل كلامه ، وتصدّق عليّ ، ولم يفعل ذلك أحد من المسلمين غيره » (١).
وأجيب عن إشكال معصيتهم ، بضيق الوقت ..
وفيه : إنّه لو ضاق ، لم يكن معنىّ للنسخ ، ولا للتوبة والإنكار بالإشفاق ، على أنّ الوقت متّسع ، وهو عشر ليال أو نحوها ، بل الوقت الذي يتّسع لمناجاة أمير المؤمنين ـ ولو مرّة ـ وتقديم صدقته ، متّسع لمناجاة غيره معه وتقديم صدقته!
ومن ذلك يظهر كذب ما رووه من بذل أبي بكر لماله الكثير في سبيل الله ، وأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « ما نفعني مال مثل ماله » (٢).
__________________
(١) منهاج الكرامة : ١٢٩ ، وانظر : ما نزل من القرآن في عليّ ـ لأبي نعيم ـ : ٢٤٩.
(٢) سنن الترمذي ٥ / ٥٦٨ ـ ٥٦٩ ح ٣٦٦١ ، سنن ابن ماجة ١ / ٣٦ ح ٩٤ ، مسند