قال : ومن المحقق أنه بعد مدّة من الزمن كان انطوان الروماني أهدى إلى الملكة كيلوبطرة (١) من كتب خانة برجام ٣٠٠ ألف أو ٤٠٠ ألف كتاب فتجدّد بذلك خزنة كتب عظيمة وإن كانت دون الأولى فأصابها الحريق مرتين ثم دمرت بالتمام بواسطة المتعصبين للديانة النصرانية لإزالة أفكار عبدة الأوثان في مدة حكم تيودوس قبل الإسلام اه باختصار.
وسكان هاته المدينة الآن نحو من ٣٠٠ ألف نسمة وبها أزيد من ٣٠ ألف محل ما بين كبير وصغير ، وتشتمل على معمل فاخر للسفن وإصلاحها ، ومن غرائب البلدة المسلة الواقعة قرب محطة سكة الحديد الموصلة للرملة ، وهاته المسلة على نحو المسلة التي ذكرناها في باريس ولندره إذ الجميع نقل من مملكة مصر ولم يبق بها إلا هاته فقط ، وطولها ٦٤ قدما في قطعة واحدة من حجر عليها كتابة قديمة عملت مدّة الملك موريس المتملك سنة ١٧٣٦ قبل الميلاد ومثلها غرابة عمود السواري الشهير الواقع جهة مينة البصل وهو عمود على قاعدة عظيمة فوق تل عال ارتفاعه مع تاجه أكثر من ٣٠ ميترو ومحيطه نحو ٢٨ قدما يقال أنه عمل مدّة قياصرة الروم ، وبعد إقامتي بهاته البلدة سبعة أيام وتزودي منها ما يلزم لطريق الحجاز غير الخيام والقرب فإني أخذتها من مصر لأنها هناك أرخص ثمنا وإرسالي جميع ذلك إلى السويس توّا مع الطباخ والخادم اللذين استأجرتهما من الإسكندرية ، توجهت حينئذ إلى مصر القاهرة راكبا حافلة طريق الحديد ولم نجد بها مخدعا خاصا ذا فرش ومرافق مثل ما يوجد في أوروبا ، وكان ركوبي بعد العصر فسار الرتل سيرا وسطا ولم يقف إلا ببعض بلدان كبيرة وكان منظر الأرض قرب إسكندرية ليس بهيجا وإنما توجد براحات وسيعة بها الماء راكدا ومزروع بها الأرز ، لكن تغير المنظر بحسن النبات والزراعة بعد حصة ولم يطل بنا ذلك المنظر الجميل لإرخاء الظلام سدوله فوصلنا إلى القاهرة بعد سير أربع ساعات ونصف ، فتلقاني في الموقف النجيب الوجيه الحاج علي الشماخي وكيل تونس واعتذرت إليه عن الإقامة بمنزله بما مر ونزلت في منزل المسافرين المسمى الخمارة الكبيرة مواجها لروضة الأزبكية ، وأسعار هاته المنازل نحو من أسعار أوروبا.
الفصل الثاني : في صفة مدينة مصر القاهرة
هاته المدينة هي قاعدة الأقاليم المصرية منذ الفتح الإسلامي غير أنها اختلفت أسماؤها وبقاعها على حسب اختلاف الدول والأعصار وإن كان مركز جميعها واحدا فبعضها محاذ لبعض ، فأول ما اختطه الصحابة رضوان الله عليهم مدينة الفسطاط ،
__________________
(١) كليوباترة : إسم سبع ملكات لاجيات (البطالسة) في مصر. أشهرهن : الخامسة ولدت في الإسكندرية (٦٩ ق. م) ملكة مصر (٥١ ـ ٣٠ ق. م). فتنت قيصر بعد معركة فرسال وولدت له «القيصرون» ثم مرقس أنطونيوس ضمت إلى ممتلكاتها أجزاء من فينيقيا وقبرص اليهودية انتحرت بعد معركة أكسيوم المنجد ص (٥٩٣).