بقاضي القضاة وليس لهما مرتب أيضا ، ومدار أعمالهم حفظ الراحة ورياسة العساكر المحافظة والنظر في الأعمال العسكرية ، ولهم أيضا مرجع الأحكام الشخصية والنظر في مصالح الولاية الإدارية وحفظ الطرق وإنشائها إلى غير ذلك من المصالح ، كما تنفرد البلاد الممتازة من الأصناف الثلاثة المشار إليها سابقا.
ومنها : مدينة لندرة بأن يكون لها شيخ وهو رئيس المجلس البلدي الذي أعضاؤه من الأهالي المنتخبين منهم والمجلس ينتخب رئيسه من أحد أعضائه كل سنة ولا مرتب له ، ولهاته المجالس البلدية مرجع جميع المصالح المتعلقة بالبلد ومنها إدارة الضابطية ولا دخل للدولة فيها بشيء ، وعلى رؤساء هاته المجالس أيضا الإحتساب على كيفية انتخاب أعضاء مجلس النواب فيما تحت نظرهم لكي يكون الإنتخاب موافقا للأصول وهو الذي يرأس جمعية الإنتخاب ويتصرف في الأحكام الشخصية كتصرف قضاة الصلح الآتي بيانهم ، ويوم تولية رئيس هذا المجلس المسمى بشيخ البلد يكون في لندره موكب حافل من أعظم المواكب وله من الإحترام والتوقير كما لأحد الملوك ، ثم أن متوظفي الديانة في كل الجهات هم مرجع عدد من يزداد أو يموت وهم المكلفون بحفظ الكنائس والمقابر والفقراء والطرقات أيضا وإعانة الضابطية عند الحاجة هذا.
وأما الأحكام الشخصية : فإن لها إدارة مخصوصة رئيسها اللورد قاضي القضاة الذي هو رئيس ندوة اللوردات ثم نائبه ثم اللوردات قضاة المجالس العليا في الجهات الكبرى ثم حكام مجالس الولايات ومجالس الضابطية ، وكل هؤلاء لهم مرتب وهناك حكام الصلح لكنهم لا مرتب لهم ، وكذلك حكام الجوري على نحو الممالك التي تقدم ذكرها ، غير أن الأمر الذي انفردت به انكلاتيره هو أن أحكامها لا تستند إلى قانون خاص ، فشريعتها أصعب الشرائع لأنها تستند إلى مجموع أشياء وهي : ما يوجد من القوانين في بعض أمور وما يوجد في أحكام سابقة صدرت من مجالس الأحكام القديمة ، وما في أحكام الرومان ، وما يقع عليه اجتهاد أصحاب الاجتهاد وهم اللوردات أهل المجالس العليا ، وقاضي القضاة وقرناؤه ، وعلماء الأحكام وهم المسمون بالأبوكاتية ، فلذلك كان علماء الأحكام من أشهر الناس وأوجههم ، ومن غريب عادات المملكة أنه إذا وجدت نازلة ووجد حكمها في إحدى تلك الأصول لكن أصحاب اجتهادهم ظهر لهم أن المصلحة الوقتية قضت بخلاف تلك الأحكام لاختلاف الزمان فإنهم يجرون اجتهادهم ، لكنهم لا يجعلون ناسخا للسابق بل يبقى السابق ويبقى المحدث حتى تكون الأصول متناقضة ويبقى لأهل الإختيار عندهم الخيار ، وبذلك يعلم مقدار النفوذ والسلطة للطبقة العليا من الناس عندهم لأنهم هم الذين يكوّن منهم أهل الإختيار كما يعلم به فساد اعتراض بعضهم على أحكام المسلمين بأنها مشتة باختلاف الأقوال في كتب الفقه مع خيار القاضي في القضاء بها فيوجب لهم التحرز من الدخول تحتها لأنها غير معلومة للمحكوم عليه لأن ذلك الإعتراض على فرض تسليمه كما هو فهو عندهم أعظم مما يعترضون به علينا ، ثم أن الأحكام المذكورة لها رتب في تحقيقها