نحو ما سيأتي ولهذا اعتبرنا ذلك فهو تاريخ جديد إلى انكلاتيره لأنها استمرت على أصوله وزادتها ارتقاء إلى الآن ، وإن اعترت في الأثناء توقفات ومعارضات تارة تخضد شوكة القانون وتارة تزيلها لكن على كل حال قد نشبت أصوله وأدركتها العقلاء وسرت منهم إلى غيرهم الهوينا شأن الإصلاح في كل شيء وحاصل هذا البناء أن الملك يوحنا وبلغتهم جان سانتير لما تصرف تصرفات أضرت بالمملكة والدولة تعصب أعيان المملكة وفرضوا قانونا سموه بالشرط الكبير وألزموا الملك بقبوله وإمضائه والعمل به وذلك في سنة ١٢١٥ فلم يسعه إلا العمل بذلك ، وملخص هذا الشرط الكبير : هو أن الملك التزم في حق نفسه وحق من يأتي بعده بمنح الحرية إلى جميع الإنكليز ، وأن فرض الضرائب على الأمة لا يكون إلا برضاء مجلس مركب من الأساقفة ورؤسائهم وأهل الخطط الدينية والأعيان من الأمة أصحاب ألقاب البارون والكنت والمتوظفين في الدولة ، وأن ذلك يجري أيضا فيما إذا اقتضى الحال جعل إعانة مالية على مدينة لندره مع بقاء حريتها القديمة ، وأن مجلس الحكم العام لا يلزم انتقاله إلى حيث ينتقل الملك وأن المكترين للأراضي لا يلزمهم العقاب المالي لأجل هفواتهم وإنما يكون العقاب على الجناية ولا يؤخذ لأجلها إلا مما يزيد على القدر الضروري للجاني ، وهكذا الباعة والسوقة لا تمس رؤوس أموالهم ولا تعطل حركاتهم التجارية ولو لجناية ، وكذلك الفلاحون الذين تحت تسلط الملك أو أصحاب الأملاك لا توضع عليهم ضرائب العقاب عند الذنب إلا بقدر الطاقة بحيث لا تتعطل أشغالهم ، وأن جنايتهم الملزمة لذلك لا تثبت إلا بشهادة إثني عشر نفسا ممن يرضون للشهادة مع اليمين ، وأن يبطل عمل التسخير بأخذ حيوانات الأهالي وعجلاتهم لحمل أثقال الملك وأن يتحد عيار الكيل والوزن والقيس في سائر المملكة على عيار لندره ، وأن لا يمس حق لإنسان مطلقا في كل ما يرجع لذاته وماله وعرضه ولو من الملك إلا بمقتضى القانون وحكم المجالس به ، وأن لا يمنع أحد من السفر إلى أي مكان أراده برا وبحرا ولا يمنع من الرجوع متى أراد مع التزام الطاعة على مقتضى القانون الخ.
فمن تأمل ما لخصناه من ذلك الشرط يعلم ما كانت عليه الحالة سابقا مما يناقض الشروط المشار إليها ، ثم خلف ذلك الملك إبنه هنري الثالث (١) ودام في الملك خمسا وخمسين سنة مع كونه غير جدير بالتصرفات ، وإنما عضد إبقاءه العمل بذلك الشرط وزاد تأكيدا بالقانون المسمى بتقرير أكسفورد نسبة إلى البلد المنعقد بها ، وملخصه : أن مجلس البارلمان أي مجتمع البارونات هو الذي يعين أعيان المتوظفين والحكام الذين يتبدلون في
__________________
(١) هو هنري الثالث (١٥٥١ ـ ١٥٨٩) ملك من سنة (١٥٧٤ ـ ١٥٨٩) عقد صلحا مع البروتستانت سنة (١٥٧٦) قاومه الكاثوليك فانهزم إلى شارتر وأمر باغتيال كاردينال اللورين قتله جاك كليمان. المصدر السابق (٧٣٢).