على أهله وأولاده والمسلمين فلشدّة ما لحقه سقط مغشيا عليه في الحين ، فأراد من معه أن يركبه فلم يكن فيه من المسكة ما يثبت به على الفرس ، فتركوه مرميا وأبدل سعده بالمنتحس ، واجتاز به إنسان أرمني كان يقطع الخشب وهو بآخر رمق فقطع رأسه وحمله للفرنج ففاز به وبالظفر سبق ، وملكوها في جمادى الأولى سنة إحدى وتسعين وأربعمائة (٧٠) بالتحقيق ، ووضعوا السيف في المسلمين الذين بها وسلبوا أموالهم بتمامها في القول الحقيق. ثم بعد ثلاثة أيام من الواقعة ، قدم أمراء الموصل وحلب ودمشق ومعهم ثمانية وعشرون أميرا بالواقعة ، وجيشهم فيه ثلاثمائة ألف مقاتل وحاصروا انطاكية وقطعوا منها وعنها المراحل ، وصارت النصارى في الضيق العظيم من قلّة الزاد ، ولما أراد الله بالمسلمين بأمر فيه النفاذ ، صار حاكم الموصل كربوع يتكبّر على الجيوش والأمراء ، ويستهين بالقواد والوزراء ، فخبثت نية الناس عليه ، ونووا جر المكر إليه ، ولما ضاق الأمر بالفرنج ثبّتوا نفوسهم ، وألقوا للقتال رؤوسهم ، وخرج منهم نحو المائة ألف مقاتل فانهزم المسلمون ، وكثر القتل فيهم للذاهب والقابل ، ونهبت الفرنج خيامهم ، وتقوّوا بالأقوات التي أخذوها والسلاح / فلم يقف أحد أمامهم ، ثم تقدم الفرنج للمعرة فاستولوا عليها ووضعوا السيف في أهلها فقتلوا فيها بالتحرير ، ما يزيد على ألف إنسان وسبوا السبي الكثير ، وأقاموا بها أربعين يوما. ومنها مختارين ارتحلوا وساروا إلى حمص ولمّا لها وصلوا صالحهم أهلها واستراحوا ستة أشهر وفيها أصابهم وحلها من القحط والسقم العسير ، إلى أن مات منهم به الخلق الكثير. ثم جهّز أمراؤهم جيشا فيه نحو الأربعين ألف مقاتل وقصدوا للقدس فحاصروها نيفا وأربعين يوما بحصر هائل ، وقيل حصروها سبعا وثلاثين يوما ، ثم اقتحموها واستولوا عليها حوما ، وذلك يوم الجمعة لسبع بقين من شعبان سنة اثنين وتسعين وأربعمائة بالبيان (٧١) وبقوا يقتلون في المسلمين أسبوعا فرادى وأزواجا يوعا ، حتى قتلوا في المسجد الأقصا ما يزيد على سبعين ألف نفس بالتعريف ، منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن جاور في ذلك الموضع الشريف ، وغنموا لما لا يقع
__________________
(٧٠) الموافق أبريل وماي ١٠٩٨ م.
(٧١) الموافق ١٤ جويلية ١٠٩٩ م.