واشتد في أرض حميان ، وتداولت الحملات من المسلمين على المحلّة من كل جانب ومكان ، وكان ذلك في فصل الصيف فاشتد على الفريقين القيظ الحار ، والمحلّة ماشية كأنها داخلة في وسط النار لكون قدور بالمخفي تقدّم إلى المرجة فأوقدها بالنار ، فكم من ميت مات في ذلك اليوم بالرصاص والنغش وكم من آخر مات بالعياء والعطش ، وأسرف جيش الأمير في تلك المحلّة بالقتل والأسر وسبي الأموال ، وهي مبادرة في مشيها للبحر ناحية المقطع بغير الانفصال واتفق الأمر أن الأدلة الذين يمشون بالمحلّة قد ذهلوا عن الطريق ، فتركوها ميسرة ومشوا ميمنة إلى أن دخلوا في المرجة فحصلت العجلات في الوحل لفقد الطريق ، وقد مسّ وقتئذ البعض من عسكر النصارى الرعب والهول ، وتضاعفت العرب واشتد لها الصول ، وهجمت على المحلّة هجوما عنيفا ، وتقدّمت لها تقدّما كثيفا ، وتسارعت لها بالقتل والنهب ، وشدة الطعن والضرب وتيسّرت لها سائر الوجوه ، وعظم الأمر على ذي العقل وأحرى المعتوه ، ودارت طواجين المنايا على رؤوس الرّاجلة والفرسان وتطايرت الرؤوس بذلك عن الأبدان ، وصارت القتلى من الجانبين تحت أرجل الخيل متداثرة ، وزهت العرب وصارت عقولها مستنيرة متكاثرة ، وقذف الله الخوف في قلوب من بقي حول العجلات ، ففرّوا هاربين لاحقين بمتقدم المحلّة من غير التفات ، إلى أن لحقوا بها بقصد المسالك وكانت المحلّة مفترقة / على ربوات هناك ، وصارت كبراء المحلّة في غم ولم يجدوا سبيلا للنجات (كذا) ، وكل من مات من النصارى قطعت العرب رأسه ، ونهبوا المحلّة ولم يمنع من قراريطها إلا واحدة ونكّس كل واحد من النصارى رأسه.
قال العلامة السيد الحاج أحمد بن عبد الرحمان الصديقي في كتابه ، وكان من الحاضرين للواقعة بغير ارتيابه ، وو الله إني رأيت الحجلة تطير يمينا وشمالا في أرض حميان ، ولا تجد منفذا ولا مسلكا حتى تنزل في حجر الراكب أو على رأسه بالعيان ، والأرنب والذئب (كذا) ليجريان كذلك ولا يجدان مأوى يخلصهما من الأسر والقتل ، حتى يقفان رأسا من غير ممسك بتحقيق النقل.
قال : ثم بعد هنيئة من الزمان حصل الكلام من كبراء النصارى لبعضهم بعض فنقرت ما لهم من الطبول ، وغنت ما لهم من المزامر بحنينها المقبول ، ونهضت المحلّة قائمة مجتمعة على ساق ، وبرزت للقتال جميعا من غير تراخ ولا