وعظم في أركانه ، وأحاط بكلّ شيء علما وهو في مكانه ، وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه ، مجيدا لم يزل محمودا ، لا يزال بارئ المسموكات ، وداحي المدحوّات ، وجبّار الأرضين والسّموات. سبّوح قدّوس (١) ربّ الملائكة والرّوح. متفضّل على جميع من برأه ، متطوّل على من أنشأه. (٢) يلحظ كلّ عين ، والعيون لا تراه. كريم حليم ذو أناة. قد وسع كلّ شيء برحمته (٣) ، ومنّ عليهم بنعمته. لا يعجل بانتقامه ، ولا يبادر إليهم بما استحقّوا من عذابه. قد فهم السّرائر ، وعلم الضّمائر ، ولم تخف عليه المكنونات ، ولا اشتبهت عليه الخفيّات. له الإحاطة بكلّ شيء ، والغلبة على كلّ شيء ، والقوّة في كلّ شيء ، والقدرة على كلّ شيء. ليس مثله شيء ، وهو منشئ الشيء حين لا شيء. دائم قائم بالقسط ، لا إله إلّا هو العزيز الحكيم. جلّ عن أن تدركه الأبصار ، وهو يدرك الأبصار ، وهو اللّطيف الخبير. لا يلحق أحد وصفه من معاينة ، ولا يجد أحد كيف هو من سرّ وعلانية إلّا بما دلّ ـ عزّ وجلّ ـ على نفسه.
وأشهد أنّه الله الّذي ملأ الدّهر قدسه ، والّذي يغشى الأبد نوره ، والّذي ينفذ أمره بلا مشاورة مشير ولا معه شريك في تقدير ولا تفاوت في تدبير. صوّر ما أبدع على غير مثال ، وخلق ما خلق بلا معونة من أحد ولا تكلّف ولا احتيال. أنشأها فكانت ، وبرأها فبانت. فهو الله الّذي لا إله إلّا هو ، المتقن الصّنعة ، الحسن الصّنيعة ، العدل الّذي لا يجور ، والأكرم الّذي ترجع إليه الأمور.
وأشهد أنّه الّذي تواضع كلّ شيء لقدرته ، وخضع كلّ شيء لهيبته. مالك الأملاك (٤) ، ومفلك الأفلاك ، ومسخّر الشّمس والقمر كلّ يجري لأجل مسمّى. يكوّر اللّيل على النّهار ويكوّر النّهار على اللّيل ، يطلبه حثيثا. قاصم كلّ جبّار عنيد ، ومهلك كلّ شيطان مريد. لم يكن معه ضدّ ولا ندّ. أحد صمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد. إله واحد ، وربّ ماجد. يشاء فيمضي ، ويريد فيقضي ، ويعلم فيحصي ، ويميت
__________________
(١) المصدر : قدّوس سبّوح.
(٢) هكذا في المصدر. وفي النسخ : أدناه.
(٣) المصدر : رحمته.
(٤) المصدر : ملك الأملاك.