وممّا يشهد بعدم الخلاف في عدم جواز التعمّد بالانحراف والاجتزاء باستقبال ما بين المشرق والمغرب : ما ادّعي عليه الإجماع من وجوب الرجوع إلى الأمارات المعيّنة لجهة الكعبة مع الإمكان ، ووجوب الميل إليها إذا تبيّن في أثناء الصلاة انحرافه عنها ، كما يدلّ على ذلك ـ مضافا إلى ذلك ـ موثّقة عمّار عن أبي عبد الله عليهالسلام في رجل صلّى على غير القبلة فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته ، قال : «إن كان متوجّها فيما (١) بين المشرق والمغرب فليحوّل وجهه إلى القبلة ساعة يعلم ، وإن كان متوجّها إلى دبر القبلة فليقطع الصلاة ثمّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمّ يفتتح الصلاة» (٢) وغيرها ممّا ستعرفه في محلّه ، فيجب صرف الصحيحتين (٣) ـ جمعا بينهما وبين ما عرفت ـ إلى إرادة كون ما بين المشرق والمغرب قبلة لمن غفل عن تشخيص جهتها ، أو اشتبه عليه الجهة بحيث لم يميّزها في أقلّ ممّا بين المشرق والمغرب لو لم نقل بانصرافهما في حدّ ذاتهما إلى ذلك بواسطة ما هو المغروس في الأذهان من كون القبلة هي الكعبة وأنّ اعتبار السمت لأجلها لا من حيث هو.
وقد ظهر بما ذكر أنّ التمسّك بقوله تعالى (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) (٤) في غاية الضعف ؛ ضرورة عدم كون مضمونه حكما اختياريّا في الفرائض اليوميّة ،
__________________
(١) في النسخ الخطّيّة والحجريّة : «إلى ما» بدل «فيما». وما أثبتناه من المصادر وكما يأتي في ص ١٦٢.
(٢) الكافي ٣ : ٢٨٥ / ٨ ، التهذيب ٢ : ٤٨ ـ ٤٩ / ١٥٩ ، و ١٤٢ / ٥٥٥ ، الاستبصار ١ : ٢٩٨ / ١١٠٠ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب القبلة ، ح ٤.
(٣) أي : صحيحتي زرارة ومعاوية بن عمّار ، المتقدّمتين في ص ١٤.
(٤) البقرة ٢ : ١١٥.