الظنّ بل على كلّ أمارة ظنّيّة استفراغ الوسع والفحص عن المعاضدات والمنافيات بمقدار لم يصل إلى حدّ العسر حتّى يصدق عليه اسم التحرّي والاجتهاد في الرأي الواردين في الأخبار ، فلو تعارض أمارتان ، كما لو أخبر شخص بجهة وآخر بجهة أخرى ، وكان قول كلّ منهما في حدّ ذاته مفيدا للظنّ ، فإن كان أحدهما أوثق بحيث أفاد ظنّا فعليّا ، عوّل عليه ، وإلّا تساقطا بالنسبة إلى مؤدّاهما ، ولكن يحصل من مجموعهما الظنّ بعدم كون القبلة في سائر جهات القبلة (١) ، فيكون بمنزلة من علم بانحصار القبلة في جهتين ، وستعرف حكمه إن شاء الله.
تنبيه : قد تعرّض غير واحد لبيان أنّه هل يجب على كلّ مكلّف عينا معرفة علائم القبلة ، أم لا يجب إلّا كفاية؟ فالعاميّ لدى التباس الأمر عليه يعوّل على قول غيره إن أفاده الظنّ ، وإلّا يصلّي إلى أربع جهات ، كما هو وظيفة المتحيّر على ما ستعرف.
أقول : والذي ينبغي أن يقال : إنّه يجب على أهل كلّ إقليم كفاية أن يشخّصوا جهة القبلة في بلدهم بشي من العلائم ولو باستعمال القواعد الرياضيّة ؛ كي يتوجّهوا إليها في صلاتهم وذبحهم ويوجّهوا إليها موتاهم حال الاحتضار والدفن إلى غير ذلك من الأحكام التي يتوقّف امتثالها على معرفة قبلة البلد ، وأمّا بعد معروفيّة قبلة البلد ، التي هي إحدى العلائم المعتبرة كما في سائر بلاد المسلمين ، فلا يجب على أحد من العوام ولا العلماء معرفة سائر العلائم إلّا إذا علم بأنّه لو لم يعلمها يفوته الاستقبال أحيانا فيما يشترط فيه الاستقبال ، كالصلاة و
__________________
(١) في «ض ١٤ ، ١٦» : «سائر الجهات».