وكذا لا ينبغي الارتياب في جواز الصلاة في الثوب الذي يشكّ في اقترانه بشيء من فضلات غير المأكول من لعابه أو شعره الملقى على الثوب أو نحو ذلك ، خصوصا إذا كان الشكّ في أصل وجوده ، لا في صفة الموجود ؛ لاستقرار السيرة على الصلاة فيما لبسه المصلّي من الثياب من غير فحص ، مع أنّ العادة قاضية بأنّه قلّما يحصل الوثوق بخلوّها عن مثل ذلك ، وكون التكليف بتحصيل الجزم بذلك حرجا شديدا ، ولذا جزم غير واحد من القائلين بالمنع عن المشكوك بنفي البأس عمّا على الثوب والبدن من الأشياء المشتبهة من الرطوبات والشعرات ونحوها.
ولكن ينبغي بل يتعيّن ـ على القول بالمنع ـ الاقتصار على الأشياء المزبورة ممّا قضت به السيرة القطعيّة ويشقّ التحرّز عنه ، دون ما لا سيرة في نوعه ولا تعسّر في التجنّب عنه ، كقراب السيف وأشباهه ، والله العالم.
بقي الكلام فيما استثني من عموم ما دلّ على المنع عن الصلاة في غير المأكول ، وقد أشرنا فيما سبق إلى أنّ الأخبار الخاصّة الواردة في الباب كثيرة ، لكنّها قلّما تسلم عن المعارض في مواردها ، بل ربما كان كثير منها مخالفا للمشهور أو المجمع عليه بيننا ، بل لا يكاد يوجد ما تطابقت النصوص والفتاوى على جواز الصلاة فيه ممّا لا يؤكل لحمه (إلّا) وبر (الخزّ الخالص) من وبر الأرانب والثعالب ونحوه ، فإنّه قد ورد فيه أخبار كثيرة دالّة على جواز الصلاة فيه ، سليمة عن المعارض ، ولم ينقل عن أحد من الأصحاب التصريح بالمنع عنه ، بل عن جملة من الأصحاب دعوى الإجماع على الجواز (١) ، وقد ادّعى في الجواهر
__________________
(١) السيّد ابن زهرة في الغنية : ٦٦ ، والمحقّق في المعتبر ٢ : ٨٤ ، والعلّامة الحلّي في تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٦٨ ، المسألة ١٢٢ ، ونهاية الإحكام ١ : ٣٧٤ ، والشهيد في الذكرى ٣ : ٣٥ ، وحكاه عنهم البحراني في الحدائق الناضرة ٧ : ٦٠.