لقد وجَدَ هؤلاء من جهة أن القرآن الكريم يخبر عن سلسلة من المعجزات والخوارق الّتي لا يمكن تفسيرها بالعلوم العادية المتعارفة ، لأن العلم لا يستطيع أن يدرك العلاقة بين العصا الخشبية اليابسة والثعبان ، ومن جهة اُخرى كان القبول بالنظريات الّتي لا يمكن إثباتها بالحسّ والتجربة أمراً في غاية الصعوبة لهم.
ولهذا السبب ، وفي خِضمِّ الصراع بين هذين العاملين : العلم والعقيدة ، اختار هؤلاء الكتاب والعلماء نهجاً يستطيعون به وضع نهاية لهذا الصراع ، والتنازع ، فيحافظون على ظواهر القرآن والاحاديث من جانب ، ويتجنبون القول بما يخالف منطق العلم من جانب آخر ، ويتلخص هذا النهج في تفسير جميع المعاجز وجميع خوارق العادة الّتي جرت على ايدي الأنبياء بالموازين العلمية الحاضرة الرائجة في هذا العصر بصورة تبدو وكأنها اُمورٌ طبيعية ، وبهذا يكونون قد حافظوا على مكانة القرآن الكريم والاحاديث القطعية المسلّمة ، ولم يتفوهوا بما يخالف العلم الحديث ويتعارض مع معطياته.
ونحن هنا نذكر من باب النموذج والمثال : التفسير الّذي ذكره العلامة المصري المعروف « محمَّد عبده » لقصة اصحاب الفيل وماجرى لهم :
فهو يقول عند تفسيره لسورة الفيل :
« فيجوز لك ان تعتقد أن هذا الطير من جنس البعوض أو الذباب الّذي يحمل جراثيم بعض الامراض ، وان تكون هذه الحجارة من الطين المسموم اليابس الّذي تحمله الرياح فيعلق بارجل هذه الحيوانات ، فاذا اتصل بجسد دخل في مسامّه فاثار فيه تلك القروح الّتي تنتهي بافساد الجسم وتساقط لحمه ، وأن كثيراً من هذه الطيور الضعيفة يعُدّ من أعظم جنود اللّه في إهلاك من يريد إهلاكه من البشر ، وأن هذا الحيوان الصغير ـ الّذي يسمونه الآن بالميكروب ـ لا يخرج عنها » (١).
__________________
١ ـ راجع تفسير في ظلال القرآن : ج ٣٠ ، ص ٢٥١.