إمّا مصادر ، ومعلوم امتناع تقدم معمولها عليها ، وإمّا صوت جامد في نفسه منتقل إلى المصدرية ثم منها إلى اسم الفعل ، وإمّا ظرف أو جار ومجرور ، وهما ضعيفان قبل النقل أيضا ، لكون عملهما لتضمينهما معنى الفعل ؛ وجوّز الكوفيون ذلك استدلالا بقوله :
٤٤١ ـ يا أيها المائح دلوي دونكا |
|
إني رأيت الناس يحمدونكا (١) |
ودونك ، عند البصريين ههنا ليس باسم فعل ، بل هو ظرف ، خبر لدلوي ، أي : دلوي قدامك فخذها ؛
وأكثر أسماء الأفعال بمعنى الأمر ، إذ الأمر كثيرا ما يكتفي فيه بالإشارة عن النطق بلفظه ، فكيف لا يكتفي بلفظ قائم مقامه ، ولا كذلك الخبر ،
ومعاني أسماء الأفعال ، أمرا كانت أو غيره : أبلغ وآكد من معاني الأفعال التي يقال ان هذه الأسماء بمعناها ، أمّا ما كان مصدرا في الأصل ، والأصوات الصائرة مصادر ثم أسماء أفعال ، فلما تبيّن في المفعول المطلق (٢) ، فيما وجب حذف فعله قياسا ؛ وأمّا الظرف ، والجار والمجرور فلأن نحو : أمامك ، ودونك زيدا ، بنصب زيدا ، بنصب زيدا ، كان في الأصل : أمامك زيد ، ودونك زيد ، فخذه فقد أمكنك ، فاختصر هذا الكلام الطويل ، لفرض حصول الفراغ منه بسرعة ، ليبادر المأمور إلى الامتثال ، قبل أن يتباعد عنه زيد ؛ وكذا ، كان أصل عليك زيدا : وجب عليك أخذ زيد ، وإليك عني : أي ضمّ رحلك وثقلك إليك واذهب عني ، ووراءك أي : تأخر وراءك ، فجرى في كلها (٣) الاختصار لغرض التأكيد ؛
__________________
(١) منسوب لراجز جاهلي من بني أسيد ، في قصة قتل فيها بنو أسيد : وائل بن صريم بطرحه في بئر ، وجعلوا ينشدون حوله هذا الرجز الذي قاله أحدهم تهكما به ، ونقل البغدادي في الخزانة انه لأحدى جواري بني مازن ، وكان ناجية بن جندب السلمي قد نزل بئرا بأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم في إحدى الغزوات ، فطرحت الجارية دلوها إليه ليملأها ، وردّ عليها ناجية برجز آخر ، وفي قصة هذا الرجز حكايات أخرى ، والله أعلم ؛
(٢) في الجزء الأول من هذا الشرح ،
(٣) تكرر التنبيه إلى استعمال الرضى لفظ كل المضاف إلى الضمير تاليا للعوامل اللفظية مع أنه هو قد نبّه إلى ضعف هذا الاستعمال في باب التأكيد ؛