قال تعالى : (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً)(١) ، قال السيرافي : إن الأجود ههنا أن يقال : إنما نصب اسم الفاعل ، المفعول الثاني ضرورة حيث لم يمكن الإضافة إليه ، لأنه أضيف إلى المفعول الأول ، فاكتفى في الإعمال بما في اسم الفاعل بمعنى الماضي من معنى الفعل ، قال : ولا يجوز الإعمال من دون مثل هذه الضرورة ، ولهذا لم يوجد عاملا فى المفعول الأول في موضع من المواضع مع كثرة دوره في الكلام ؛
وقال أبو علي ، وجماعة معه : بل هو منصوب بفعل مدلول عليه باسم الفاعل كأنه لمّا قال : معطى زيد ، قيل : وما أعطي؟ قال : درهما أي أعطاه درهما ؛ كقوله في الفاعل :
ليبك يزيد ضارع لخصومة (٢) ـ ٤٥
فيتخلّص بهذا التأويل من الاضطرار إلى إعمال اسم الفاعل بمعنى الماضي ؛
قال الأندلسيّ ردّا على الفارسيّ : لا يستقيم ذلك في مثل : هذا ظانّ زيد أمس قائما ، للزوم حذف أحد مفعولي ظانّ ؛ وللفارسيّ أن يرتكب (٣) جواز ذلك مع القرينة ، وإن كان قليلا ، كما يجيئ في أفعال القلوب ؛
ويضعف مذهب السيرافي قولهم : هذا ضارب زيد أمس وعمرا ، إذ لا اضطرار ههنا إلى نصب عمرا ، لأن حمل التابع على إعراب المتبوع الظاهر أولى ؛
ولا استدلال للكسائي في قوله تعالى : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ)(٤) ؛ لأنه حكاية الحال الماضية ؛ قال الأندلسي : معنى حكاية الحال أن تقدر نفسك ، كأنك موجود في ذلك الزمان ، أو تقدر ذلك الزمان كأنه موجود الآن ، ولا يريدون به أن اللفظ الذي في ذلك الزمان محكيّ الآن على ما تلفظ به كما في قوله : دعنا من تمرتان ، بل المقصود بحكاية الحال : حكاية المعاني الكائنة حينئذ ، لا الألفاظ ؛
__________________
(١) من الآية ٩٦ سورة الأنعام ،
(٢) تقدم في باب الفاعل
(٣) هذا دفاع عن رأي أبي علي الفارسي
(٤) من الآية ١٨ سورة الكهف.