اتفاق «الأولق» و «ولق» في اللفظ تقاربهما في المعنى ، لأنّ هذا الاتفاق بين اللفظين وقع بالعرض ، كاتّفاق «الأسود» و «الأبيض» في لفظ «الجون» ، إذ لا جامع ، من طريق المعنى ، بين «الجون» الذي يراد به الأبيض ، و «الجون» الذي يراد به الأسود.
فإن قيل : فكيف يجوز أن تقول «هذا اللفظ مشتقّ من هذا اللفظ» ، وأحدهما ليس بمأخوذ من الآخر ، وقولك «مشتقّ» يعطي أخذ أحدهما من صاحبه؟ فالجواب أنّ هذا على طريق المجاز ، كأنّهما ـ لاتّحاد لفظيهما وتقارب معنييهما ـ قد أخذ أحدهما من الآخر ، كما تقول في الشّخصين المتشابهين : هذا أخو هذا ، تشبيها لهما بالأخوين.
ولما خفي هذا الوجه ، من الاشتقاق ، على بعضهم ردّ قول من زعم أنّ اسم «الله» تعالى مشتقّ من «الوله» أو من غير ذلك ، لأنّ «الله» هذا اللفظ قديم ـ لأنّ أسماء الله تعالى قديمة ـ و «الوله» لفظ محدث ، والمشتقّ منه قبل المشتقّ ، فيلزم على هذا أن يكون المحدث قبل القديم. وذلك خلف (١). ولو علم أنّه قد يقال : «هذا اللفظ مشتقّ من هذا» ، وإن لم يكن مأخوذا منه ـ كما قدّمنا ـ لم ينكر ذلك.
والحدّ الجامع لهذا الضرب ، من الاشتقاق ـ أعني الأصغر ـ هو «عقد تصاريف تركيب ، من تراكيب الكلمة ، على معنى واحد ، أو معنيين متقاربين. وذلك نحو ردّك «ضاربا» و «ضرّابا» و «ضروبا» و «مضرابا» وأمثال ذلك إلى معنى واحد ، وهو : الضرب. إلا أنّ أكثر الاشتقاق ، ومعظمه ، داخل تحت ما حدّه النحويّون به ، من أنّه «إنشاء فرع من أصل يدلّ عليه».
وأمّا «المشتقّ» فيقال للفرع ، الذي صيغ من الأصل ، لأنّك تطلب معنى الأصل ، في الفرع ، فكأنّك تشتقّ الفرع ، لتخرج منه الأصل ، وكأنّ الأصل مدفون فيه.
و «المشتقّ منه» هو الأصل.
فإن قيل : فكيف يصحّ أن يقال في الفرع إنّه مشتقّ من الأصل ـ أي مأخوذ منه ـ والأصل لا ينفصل منه الفرع؟ فالجواب أنّ ذاك يصحّ ، على جهة الاستعارة والمجاز.
وذلك أنّه لمّا كان لفظ الفرع مبنيّا من حروف الأصل ، وكان معنى الأصل موجودا فيه ، صار لذلك كأنّه جزء من الأصل ، وإن كان الأصل لم ينقض منه شيء.
فإن قيل : إذا كانت البنيتان متّحدّتين في الأصول والمعنى ، فبأيّ شيء يعلم الأصل من الفرع؟ فالجواب أنّ الأصل يستخرج بشيئين : باعتبار دوره في اللفظ والمعنى وبأنّه ليس هنالك ما هو به أولى. والوجوه التي يكون بسببها أولى تسعة :
أوّلها : أن يطّرد معنيان ، أحدهما أمكن من الآخر ، لكثرة ما يشتقّ منه ، كالمصدر ،
__________________
(١) الخلف : الرديء الفاسد.