والآخر مقلوب منه ، وذلك نحو : «شوائع» ، فإنه أكثر تصرّفا من «شواعي» ، لأنّه يقال : شاع يشيع ، فهو شائع» ، ولا يقال : شعى يشعى فهو شاع». فلذلك كان «شوائع» الأصل.
والثالث : أن يكون أحد النظمين لا يوجد إلّا مع حروف زوائد تكون في الكلمة ، والآخر يوجد للكلمة مجرّدا من الزوائد. فإنّ سيبويه جعل الأصل النظم الذي يكون للكلمة عند تجرّدها من الزوائد ، وجعل الآخر مغيّرا منه ، لأنّ دخول الكلمة الزوائد تغيير لها ، كما أنّ القلب تغيير ، والتغيير يأنس بالتغيير. وذلك نحو : «اطمأنّ وطأمن» فالأصل عند سيبويه أن تكون الهمزة قبل الميم ، و «اطمأنّ» مقلوبا منه لما ذكرنا. وخالف الجرميّ في ذلك ، فزعم أنّ الأصل «اطمأنّ» بتقديم الميم على الهمزة. وهو الصحيح عندي لأنّ أكثر تصريف الكلمة أتى عليه. فقالوا : «اطمأنّ ويطمئنّ ومطمئنّ» كما قالوا : «طأمن يطأمن ، فهو مطأمن» ، وقالوا : «طمأنينة» ، ولم يقولوا : «طؤمنينة».
والرابع : أن يكون في أحد النظمين ما يشهد له أنّه مقلوب من الآخر ، نحو : «أيس» و «يئس». الأصل عندنا : «يئس» ، و «أيس» مقلوب منه ، إذ لو لم يكن مقلوبا لوجب إعلاله ، وأن يقال : «آس». فقولهم : «أيس» دليل على أنّه مقلوب من «يئس». ولذلك لم يعلّ كما لم يعلّ «يئس». ولا ينبغي أن يجعل «أيس» أصلا ويجعل تصحيحه شاذا ، لأنّ القلب أوسع من تصحيح المعتلّ وأكثر.
فهذه جملة الأشياء التي يتوصّل بها إلى معرفة القلب. فأما إذا كان للكلمة نظمان ، وقد تصرّف كلّ واحد منهما على حد تصرّف الآخر ، ولم يكن أحدهما مجرّدا من الزوائد والآخر مقترنا بها ، ولم يكن في أحد النظمين ما يشهد له بأنّه مقلوب من الآخر ، فإنّ كلّ واحد منهما أصل بنفسه. وذلك «جذب» و «جبذ» ، لأنّه يقال : «يجذب» و «يجبذ» ، و «جاذب» و «جابذ» ، و «مجذوب». و «مجبوذ». و «جذب» و «جبذ» (١).
القلب اللّغويّ
تعريفه : هو ، في الاصطلاح ، أن يشتقّ من كلمة كلمة أخرى أو أكثر ، وذلك بتقديم بعض الحروف على بعض بدون زيادة أو نقصان ، بشرط أن يكون بين الكلمتين تناسب في المعنى ، نحو : «جذب» و «جبذ».
ويسمّى أيضا : الاشتقاق الأكبر ، والاشتقاق الكبار ، والاشتقاق الكبير ، والقلب الاشتقاقي ، والقلب المكانيّ ، والقلب المكانيّ اللّغويّ.
٢ ـ صوره الممكنة :
أ ـ من الثلاثيّ ،
__________________
(١) الممتع في التصريف ص ٦١٥ ـ ٦١٨.