عليّ (١) ، أنّه كان يأنس به في بعض الأماكن. والصحيح أنّ هذا النحو ، من الاشتقاق ، غير مأخوذ به ، لعدم اطّراده ، ولما يلحق فيه من التكلّف لمن رامه. وقد صرّح صاحب هذا المذهب ـ وهو أبو الفتح ابن جنّي ـ بعدم اطّراد هذا القسم ، من الاشتقاق ، فقال «على أنّ هذا ، وإن لم يطّرد وينقد في كل أصل ، فالعذر فيه ، على كلّ حال ، أبين منه في الأصل الواحد ، من غير تقليب لشيء من حروفه. فإذا جاز أن يخرج بعض الأصل الواحد ، من أنّ تنظمه قضيّة الاشتقاق ، كان فيما تقلّبت أصوله ـ عينه وفاؤه ولامه ـ أسهل ، والمعذرة فيه أوضح.
انتهى.
بل قد كان أبو بكر (٢) وغيره ، ممن هو في طبقته ، قد استسرفوا أبا إسحاق ، رحمه الله ، فيما تجشّمه من قوّة حشده ، وضمّه ما انتشر من المثل المتباينة إلى أصله ، وإن كان جميع ذلك راجعا إلى تركيب واحد. ورأوا أنّه لا ينبغي أن يضمّ ، من ذلك ، إلّا ما كان الجمع بينه وبين أصله واضحا جدّا. فإن لم يكن وجه رجوع اللفظ إلى غيره بيّنا ـ بل التكلّف فيه باد وجب أن يدّعى أنّهما أصلان ، وليس أحدهما مأخوذا من الآخر ، نحو الجمع بين «حمار» و «حمرة» ، بأن يدّعى أن أصل هذا الاسم أن يقع على الوحشية منها ، وأكثرها حمر ، ثم شبّهت الأهليّة بها ، فوقع عليها الاسم ، فإذا كان الأمر عندهم على ما ذكرت لك ، مع اتّفاق اللّفظين في تركيب واحد ، فما ظنّك بهما ، إذا تغايرا في التركيب؟
والاشتقاق الأصغر حدّه أكثر النحويّين بأنّه «إنشاء فرع من أصل يدلّ عليه» ، نحو : «أحمر» فإنّه منشأ من «الحمرة» ، وهي أصل له وفيه دلالة عليها.
وهذا الحدّ ليس بعامّ للاشتقاق الأصغر ، لأنّه قد يقال «هذا اللّفظ مشتقّ من هذا» من غير أن يكون أحدهما منشأ من الآخر. وذلك إذا كان تركيب الكلمتين واحدا ، ومعنياهما متقاربين. وذلك نحو ما ذهب إليه أبو عليّ في «أولق» ، في أحد الوجهين ، من أنّه مأخوذ من : ولق يلق ، إذا أسرع. وذلك لأنّ «الأولق» : الجنون. وهي مما يوصف بالسرعة. فلمّا كانت حروف «أولق» ، إذا جعلته «أفعل» ، و «ولق» واحدة ، ومعنياهما متقاربين ، لأنّ الجنون ليست السرعة في الحقيقة ، بل يقرب معناها من معنى السرعة ، جعل «الأولق» مشتقّا من «ولق» ، لا بمعنى أنّ «الأولق» مأخوذ من «ولق». بل يريد أنّ «الأولق» حروفه الأصول الواو واللّام والقاف ، كما أنّ «ولق» كذلك. ويستدلّ على ذلك بأنّ العرب جعلت هذه الأحرف دالّة على السرعة ، و «الأولق» قريب في المعنى من السرعة ، فحروفه الأصول الواو واللّام والقاف ، وهمزته زائدة. فيجعل سبب
__________________
(١) هو أبو علي الفارسيّ شيخ ابن جنيّ.
(٢) هو محمد بن السريّ المعروف بابن السراج.