بدليل. وإنّما احتمل هذا النحو أن تكون النون فيه أصلية وزائدة ، لأنّك إذا جعلت النون أصلية كان من باب «صمحمح» (١) و «دمكمك» (٢) ، وإن كانت زائدة كان من باب «عقنقل» (٣). وباب «صمحمح» أكثر وأوسع. فإزاء كون النون ساكنة ثالثة كون باب «صمحمح» أوسع من باب «عقنقل».
وهذا الذي ذهب إليه عندي فاسد. بل ينبغي أن يقضى عليها بالزيادة ، لأنّ زيادة النون ثالثة ساكنة لازمة فيما عرف له اشتقاق ، فلا ينبغي أن يجعل بإزائه كون باب «صمحمح» أوسع من باب «عقنقل» ، لأنّ دليل اللزوم أقوى من دليل الكثرة.
وإنّما لزمت زيادتها إذا كانت على ما ذكر ، لشبهها بحرف المدّ واللين ، إذا وقع في هذا الموضع. فكما أنّ حرف المدّ واللين إذا وقع في اسم على خمسة أحرف ثالثا مثل «جرافس» كان زائدا ، فكذلك ما كان بمنزلته. ولذلك حذفوا نون «عرنقصان» (٤) تخفيفا ، فقالوا : «عرقصان».
كما حذفوا الألف من «علابط» (٥) و «هدابد» (٦) وأمثالهما ، حين قالوا : «علبط» و «هدبد». ووجه الشبه بينهما أنّ في النون غنّة في الخياشيم ، كما أنّ في حروف المدّ واللين مدّا ، والغنّة والمدّ كلّ واحد منهما فضل صوت في الحرف. ولذلك إذا جاءت النون ثالثة ساكنة ، فيما هو على خمسة أحرف ، إلا أنّها مدغمة نحو : «عجنّس» (٧) لم تكن إلّا أصلية لأنّها إذ ذاك تتشبّث بالحركة ، والنون إذا تحرّكت كانت من الفم وضعفت الغنّة فيها. ولذلك لم تزد ثالثة ساكنة قبل حرف الحلق ، لأنّها إذا ذاك تكون من الفم وتضعف فيها الغنّة ، فلا تشبه حرف العلّة. ولو ورد في الكلام مثل «جحنعل» مثلا لجعلت النون فيه أصليّة كما جعلت في «عجنّس» كذلك ، لمفارقتها إذا ذالك الغنّة التي أشبهت بها حرف العلّة.
فهذه جملة الأماكن التي يقضى على النون فيها بالزيادة. وما عدا ذلك قضي عليه بالأصالة ، ولا يقضى عليه بالزيادة إلّا بدليل.
فما زيدت فيه النون أوّلا لقيام الدليل على زيادتها «نرجس» وزنه «نفعل». وإنّما لم تكن نونه أصليّة لأنّه ليس في كلامهم «فعلل».
فإن قيل : وكذلك ليس في كلامهم «نفعل»! فالجواب أنّه قد تقدّم أنّ الحرف إذا كان جعله زائدا يؤدّي إلى بناء غير موجود ، وكذلك جعله أصليّا ، قضي عليه بالزيادة ،
__________________
(١) الصمحمح : الغليظ.
(٢) الدمكمك : الشديد القويّ.
(٣) العقنقل : الكثيب العظيم من الرمل.
(٤) العرنقصان : نوع من النبات.
(٥) العلابط : الضخم الغليظ.
(٦) الهدابد : اللبن الخاثر.
(٧) العجنس : الجمل الضخم الصلب الشديد.