أصلية ، أنّه قد استقرّ زيادة النون الأولى ، بدليل قولهم : «مجانيق» بحذفها. ولو كانت أصليّة لقلت : «مناجيق». فإذا ثبت زيادة النون ثبتت بذلك أصالة الميم ، إذ لو كانت زائدة ، والنون بعدها زائدة ، لأدى ذلك إلى اجتماع زيادتين في أوّل كلمة ، وذلك لا يوجد إلّا في الأفعال نحو «انفعل» ، أو في الأسماء الجارية عليها ، نحو «انطلق» و «منطلق». و «منجنيق» ليس باسم جار على الفعل. فإذا ثبتت أصالة الميم وزيادة النون الأولى ، وجب أن يقضى على النون الثانية بالأصالة ، لأنّك لو جعلتها زائدة لكان وزن الكلمة «فنعنيلا» ، وذلك بناء غير موجود. وإذا جعلتها أصليّة ، كان وزن الكلمة «فنعليلا» نحو «عنتريس» (١). وأيضا فإنها ليست في موضع لزمت فيه زيادتها ، ولا كثرت ، فتجعل زائدة.
فإن قيل : فهلّا استدللتم على زيادة الميم ، بما حكاه أبو عثمان عن التّوّزيّ ، عن أبي عبيدة ، من أنّه سأل أعرابيا عن حروب ، كانت بينهم ، فقال : «كانت بيننا» حروب عون ، تفقأ العيون. مرّة نجنق ، ومرّة نرشق». فقوله «نجنق» دليل على أنّ الميم زائدة ، إذ لو كانت أصليّة ، لوجب أن يقول : «نمجنق». وحكى الفرّاء : «جنقوهم بالمجانيق»! فالجواب أنّ الكلمة أعجمية ، والعرب قد تخلّط في اشتقاقها من الأعجمية ، لأنّها ليست من كلامهم ؛ ألا ترى أنّ قول الراجز (٢) :
هل تعرف الدّار لأمّ الخزرج |
|
منها ، فظلت اليوم كالمزرّج |
أراد : سكران كالذي يشرب الزّرجون (٣). وكان القياس أن يقول «كالمزرجن» ، لأنّ نون «زرجون» أصليّة.
لكنّه حذف النون ، لأنّ الكلمة أعجميّة ، والعرب قد تخلّط في اشتقاقها من الأعجميّ كما تقدّم.
فإن قيل : فهلّا قلتم قولهم في الجمع : «مجانيق» بحذف النون من قبيل ما خلّط فيه! فالجواب أنّ قولهم : «مجانيق» يؤدّي إلى أن يكون وزن الكلمة «فنعليلا» كما تقدّم ، وهو من أبنية كلامهم. وقولهم : «نجنق» و «جنقوهم» يؤدّي إلى كون الميم والنون زائدتين ، فيكون وزن الكلمة «منفعيلا» ، والزيادتان لا تلحقان الأسماء من أوّلها ، إلّا أن تكون جارية على الأفعال ، كما تقدّم.
والذي يدلّ على أصالة الميم في «منجنون» أنّه لا يخلو أن تقدّر الميم والنون زائدتين ، أو أصليّتين ، أو إحداهما زائدة والأخرى أصليّة. فجعلهما زائدتين فاسد ،
__________________
(١) العنتريس : الناقة الشديدة.
(٢) الرجز دون نسبة في الخصائص ١ / ٣٥٩ ، والمنصف ١ / ١٤٨ ؛ ولسان العرب (زرج).
(٣) الزرجون : الخمر.